كل من ذاق حلاوة الحج وأكرمه الله بزيارة بيته الحرام يرفرف قلبه فرحا كلما شاهد زائرا جديدا يبشرنا بخبر حجه. لنسعد ونحتفي بالحاج الجديد ونستعيد جميعا ذكرياتنا لأهم رحلة في العمر المتفردة في كل شيء. وتنهال التهاني والأمنيات بأن ييسر الله لحجاجنا الرحلة ويثيبهم خيرا علي قدر المشقة وأن يذكرونا بالدعاء وهم يقفون فوق أطهر بقاع الأرض. ولكن أزعجتني كثيرا صورة قادمة من علي صعيد عرفات لحاج مصري كتب يدعو للمنتخب المصري بالنصر في مباراته مع أوغندا. وتساءلت بكل حزن وأسي عن مصير الروحانيات التي أصبحنا نفتقدها في كل شيء.. وماذا ترك هذا الحاج من الدنيا قبل أن يذهب ويغسل ذنوبه فوق جبل عرفات ؟ وهل استوعب حقا المغذي من رحلته ؟ أذكر عندما أكرمني الله بالحج العام الماضي برفقة زوجي أننا كنا كغيرنا من الحجاج فرحين بأول زيارة لنا للبيت الحرام ونلتقط صورا أمام الكعبة الشريفة لهذه الذكري العطرة التي لن تمحي من الذاكرة. ولكننا أيضا كنا حريصين علي ألا تشغلنا الفرحة عن العبادة. وألا تبعدنا مظاهر الحياة عن روحانيات المكان فقد لا يكون في العمر بقية كي نعود في رحاب المسجد الحرام مرة أخري. فلن نهدر أية دقيقة فيما يشغلنا عن مهمتنا الأساسية لعل الله يغفر الذنوب ويتقبل التوبة ويكون الحج مبرورا. لكنها التكنولوجيا التي أفسدت كل شيء فأصبحنا ندمن استخدام كاميرات تليفوناتنا المحمولة في كل مكان ونهتم بكل تفاصيل مواقع التواصل الاجتماعي كي لا يفوتنا شيء نظنه مهما. وشغلتنا الصغائر عن الكبائر. ولم يعد لكل مقام مقال. وكي نكون منصفين لم يكن تصرف هذا الحاج وحده هو الشاذ عن طبيعة الرحلة والمكان. فكان من بين الحجيج من يبحث عن الكاميرات المعلقة في أنحاء الحرم المكي كي يقف أمامها ويدعو الله وقد رسم علي وجهه علامات الخشوع والتأثر. بل اصطحب داعية شهير مصوراً خاصاً كي ينقل لنا ابتهالاته وخشوعه المصطنع ولم يخجل من قدسية المكان الذي توطئه قدماه ولا من إجلال وعظمة الخالق الذي يعلم ما تخفي الصدور. تكررت نفس المشاهد فوق جبل عرفات وتسابق البعض بحثا عن الكاميرات وكأنها متصلة بالسماء وملاذنا الوحيد كي ترانا الملائكة. وإذا كانت الروحانيات ضاعت في الحرم وفوق جبل عرفات، فحالنا هنا أصعب. فالعيد مناسبة روحانية إيمانية وليست مناسبة خاصة نبتهج بها لأننا سنأخذ إجازة. فقدنا الإحساس بالعيد كمناسبة دينية ويزداد هذا الشعور عاما بعد الآخر حتي التهاني والمشاعر الإنسانية فقد تحولت لرسائل جاهزة نرسلها بضغطة زر. وفقدنا التواصل الحقيقي مع الأسرة والأصدقاء واخترنا أن تكون علاقاتنا افتراضية عندما تمردنا علي طبيعتنا الإنسانية وأعجبتنا أكثر انفعالات الإيموشنز الجاهزة وصور الورود المصحوبة بعبارات التهاني.