(((... تعرف جمال علي زميلته دينا في المقر الرئيسي للشركة بالقاهرة.. استعذب جمالها واستملح عراقة أسرتها.. وغرق في هواها لشوشته.. لم تكن دينا مجرد امرأة جميلة.. كانت كل أفاعي الدنيا ترقد بين ضلوعها.. أحبت جمال.. لكنها أرادت أن تستأثر به لنفسها..!))) كل يوم يأتي بملامح جديدة..!! وكأن الدنيا مجموعة من الأقنعة تبدلها وتغيرها مع إشراقة كل فجر.. وكما يظهر الخطاب من عنوانه تظهر الأيام من بدايتها.. يوم مشرق وآخر معتم.. يوم تزقزق فيه العصافير علي أغصان الشجر.. وآخر ينعق فيه البوم من الخرابات.. يوم يستيقظ فيه العالم علي خبر علمي يفيد البشرية.. وآخر تثور فيه الطبيعة فيسقط الضحايا والقتلي.. يوم ينشط فيه »الحانوتية» وآخر تزدحم فيه مكاتب »المأذونين»!! لكننا كل يوم جديد نمنحه ثقة بلا حدود.. نأمن له ونتفاءل به.. وننسي أو نتناسي أن هذا اليوم لم يخرج إلا من رحم الدنيا التي إذا أينعت نعت، وإذا أقبلت أدبرت! داخل شقة المرحوم سيد أفندي كانت أسرته الصغيرة قاب قوسين أو أدني من خلع ثوب الحزن الساكن فيهم ليل نهار. كانت الذكري السنوية الرابعة لوفاة سيد أفندي في هذا اليوم.. لكنه كان يوم إعلان نتيجة بكالوريوس التجارة.. ابتلعت الأم أحزان الذكري وعاشت علي أعصابها تنتظر نتيجة ابنها جمال.. ربما دخلت الفرحة عش الأحزان لأول مرة.. وكان ماهر هو الآخر يترقب نتيجة شقيقه الأكبر حتي يري الابتسامة تشرق من جديد فوق وجه أمه التي شاخت وترهلت ونحل جسدها منذ لبي زوجها نداء ربه! اللحظات تمر ببطء.. وعينا الأم تختلسان بين الحين والآخر نظرة خاطفة نحو صورة شريك عمرها الراحل فوق الحائط، ربما كانت تعتذر له، فلم يشغلها عنه سوي ابنهما الأكبر الذي أوصاها وهو يحتضر برعايته.. لكن أمه هذه المرة قلقة، قلبها منقبض منذ الصباح.. تشعر أنها مدفوعة دفعا إلي شئ ما لا تعرفه علي وجه التحديد.. وكأي أم كانت تخفي انفعالاتها وتدفن انقباضها وراء ابتسامة ساحرة تحقق لبيتها أمنا وأمانا تعجز عنه كل قوات الأمن مجتمعة علي مستوي العالم.. فلم يحك مخلوق في العالم عن لحظة أمان تنافس لحظة تجمع بين ابن وأمه في نظرة واحدة.. أو عناق واحد.. أو حتي دمعة واحدة.. فالأم هي حصن الأمان ولو في عز الأحزان! • دق جرس التليفون.. انتبه ماهر وأغلق صفحات الكتاب واتسعت حدقتاه.. وهرولت الأم إلي سماعة التليفون. ماما.. أنا نجحت يا ماما! وعانق ماهر أمه.. امتزجت دموعهما.. وانطلقت عينا الأم نحو صورة المرحوم ثم همست في عفوية: »مبروك.. يا سيد أفندي»! لحظات الفرح تمر بسرعة كأنها محمولة فوق صاروخ.. جمال عائد إلي بيته تسبقه السعادة.. وأمه نزلت إلي السوق لتشتري »بطة».. وخبزا محمصا.. وبعض الزبد.. قررت أن تطهي لولديها الوجبة التي يعشقونها علي مائدة الغداء.. بطة وفتة توم!.. نادي عليها كثيرون. - »حاسبي يا حاجة».. ! أشاروا لها من بعيد ومن قريب ألا تعبر المزلقان في تلك اللحظة.. لكن »ساعة القضا يعمي البصر».. سمعتهم وشاهدتهم الأم فارتبكت.. أرادت أن تتحرك في أكثر من اتجاه في نفس اللحظة.. لكن القطار لم يمهلها.. قفزت في الهواء.. تطايرت البطة المذبوحة وقطعة الزبد وأرغفة الخبز ومعها السلة.. وسقطت الست أم ماهر علي مسافة كبيرة مهشمة الرأس.. فاقدة الوعي.. حاولوا إسعافها.. لكن أحد الأطباء بالطريق أجري عليها فحصا سريعا ثم طلب من المتزاحمين أن يغطوا الجثة بأوراق الصحف.! عاد الحزن إلي عشه القديم... هذه المرة كانت الصدمة مرعبة علي الشقيقين.. فالحزن علي الأم ما بعده حزن ولا هم.. لكن يبدو أن تأثير الصدمة كان مختلفا علي اليتيمين.!. ماهر لجأ إلي العبادة والصبر والتهام الكتب خاصة روائع الأديب السوفيتي الشهير تشيكوف.. أيام كثيرة كانت تمر دون أن يتنبه اليتيمان إلي أنهما لم يتناولا كسرة خبز أو شربة ماء.. ولأن السعادة ليست أبدية، فالحزن أيضا ليس أبديا.. وسنة الحياة التغيير!.. ذات مساء غادر جمال حجرته وأبلغ ماهر أنه سوف يسهر مع أصدقائه القدامي.. وبعد ساعات عاد جمال وفوق وجهه إشراقة.. راح يحدث ماهر عن فرصة عمل مغرية بإحدي شركات البترول عرضها عليه صديقه أمجد الذي يشغل والده منصبا كبيرا بالشركة.. وهنأه ماهر وهو يعانقه ويرجوه أن يستثمر الفرصة حتي يساعده حينما يتخرج من كلية الهندسة في العام القادم.. أمضي اليتيمان ليلتهما يتعاهدان علي تحدي كل الصعاب وإسعاد روحي والديهما في البرزخ.. صليا الفجر معا.. وأوي كل منهما إلي فراشه يمني نفسه بأن يسعده المنام برؤية ست الحبايب وتلقي التهنئة منها! عامان من الاستقرار والهدوء عاشهما اليتيمان.. وفي العام الثالث انقلبت الأمور رأسا علي عقب.. تعرف جمال علي زميلته دينا في المقر الرئيسي للشركة بالقاهرة.. استعذب جمالها واستملح عراقة أسرتها.. وغرق في هواها لشوشته.. لم تكن دينا مجرد امرأة جميلة.. كانت كل أفاعي الدنيا ترقد بين ضلوعها.. أحبت جمال.. لكنها أرادت أن تستأثر به لنفسها..! أوغرت صدره ضد أصدقائه وأقاربه وأشعلت النار في علاقته بماهر.. لم يعد اليتيمان يطيق أحدهما الآخر.! لم يبق غير يومين علي زفاف جمال ودينا.. ورغم أحزان ماهر علي فراق أخيه وبقائه وحيدا في شقة الأسرة التي كانت يوما صاخبة بالحب والدفء والحنان.. فوجئ ماهر بحكم طرد من شقته باسم صاحب المنزل الذي أقام دعوي الطرد ضد جمال وماهر. طار صواب ماهر.. وفقد أعصابه.. وهرول إلي شقيقه جمال يبلغه بغدر صاحب البيت.. لكن جمال تهرب من ماهر بحجة أنه مشغول بزفافه.. وبحث ماهر عن صاحب البيت فلم يجده! وقف ماهر في حفل زفاف جمال يبكي بحرقة بعد أن خانته دموعه.. تذكر أباه وأمه اللذين فارقاه بالموت.. وها هو جمال يفارقه بالزواج.. صار وحيدا يواجه مشكلة عاصفة قد تنتهي بطرده من شقة العمر.. لكن سرعان ما جفف ماهر دموعه وتظاهر بالاندماج والفرحة مع المدعوين! سافر العروسان إلي اليونان لقضاء شهر العسل.. وظهر صاحب المنزل.. وكانت المفاجأة التي لم يتوقعها ماهر.. تكشفت أمامه الأسرار.. تواطأ أخوه مع صاحب المنزل الذي حرر له عقد إيجار »صوري» ثم أقام دعوي طرد ضده بالاتفاق معه.. ونظير هذه اللعبة التي دبرتها دينا وأسعدت صاحب المنزل كافأ جمال بعشرين ألف جنيه نظير استرداده لشقة يتجاوز ثمنها ثلاثمائة ألف جنيه بموقعها المتميز ومساحتها الواسعة ! دارت الدنيا بماهر واسودت في عينيه.. الضربة القاضية تلقاها هذه المرة من شقيقه بعد أن عاشا معا وتقاسما مرارة اليتم بعد رحيل أمهما.. فالإنسان مهما طال عمره يظل طفلا حتي تموت أمه فيشيخ.. وتعذبه مرارة اليتم.. تناسي جمال أو نسي لحظات القهر الإنساني المشتركة.. رحل مع عروسه باحثا عن العمل وترك أخاه للحنضل! يقول ماهر أنه أقام دعوي ضد صاحب المنزل يطالب فيها بإلزامه بتحرير عقد إيجار له عملا بقاعدة الامتداد القانوني لعقد الإيجار.. ورد صاحب المنزل بأنه حرر العقد باسم شقيقه جمال الذي امتنع عن سداد الأجرة للشقة التي يقيم فيها مع أخيه وحصل علي حكم بطردهما فماذا يفعل ؟.