لم يكن الأستاذ عبدالوارث الدسوقي - رحمه الله والذي تمر علينا ذكري رحيله - بالنسبة لي مجرد أستاذ ومعلم وصديق فقط، بل كان لي أبا بمعني الكلمة ، فقد توافرت لدي هذا الرجل العظيم كل معاني الأبوة والأستاذية إلي جانب الحرفية والموهبة التي لم تستطع أن تغير من شخصيته الريفية الأصيلة المحببة إلي نفسي، التي تجمع بين الصلابة والحنو، والحكمة والرصانة، والتطوير والتجديد، والزهد وعزة النفس. كانت بداية معرفتي به من خلال الكاتب الكبير إبراهيم الورداني الذي كان يكتب عمودا بعنوان »صواريخ» أشاد فيه بكتاباتي الأدبية والشعرية، وكان الاثنان زملاء في جريدة الجمهورية التي أسسها رجال الثورة لتتحدث باسمهم ، وكان الاستاذ عبدالوارث الدسوقي مدير تحريرها بينما كان رئيس التحرير الأستاذ حسين فهمي، ورئيس مجلس إدارتها أنور السادات ثم صلاح سالم وطه حسين فيما بعد، وتعاقب علي الجريدة رؤساء تحرير من كبار الكتاب مثل كامل الشناوي وبعد ذلك طه حسين وموسي صبري وغيرهم، وكانت هناك صداقة وطيدة بين موسي صبري وعبد الوارث الدسوقي، حتي إنه عندما انتقل إلي الأخبار أصر بالاتفاق مع العبقري مصطفي أمين - علي استحضاره ل »الأخبار» لكفاءته ونزاهته وخبرته، ولم يكن الأستاذ عبدالوارث من محبي المناصب، فكم عرضت عليه أعلي المناصب في مناسبات وإصدارات عديدة فيرفض ، ولكن موسي صبري أصر علي استصدار قرار بتعيينه نائبا له حتي يصبح له صفة رسمية في تسيير العمل داخل المؤسسة أو عند سفره أوغيابه. وظلت علاقتي به من خلال التليفون فقط لأكثر من سنة أرسل له المقال ولا أسأل عنه حتي أجده منشورا ومفرودا بشكل رائع علي صفحات الرأي لأن إبراهيم الورداني حذرني من أن عبدالوارث لا يعرف المجاملات في النشر، فقد منع في إحدي المرات نشر مقال لليثي عبدالناصر في عز صولجان عبدالناصر ولم يغضب الرئيس آنذاك، حتي قابلته وانشرح صدري للرجل من أول لقاء، وطلب مني أن أكتب مقالا أسبوعيا يوم الجمعة ظللت أكتبه لمدة خمسة عشر عاما لم أتخلف فيها عن الكتابة، ولم يتخلف هو عن النشر. وبعد أن عرف كل منا الآخر جيدا اكتشفت أنني قد وقعت علي كنز من الأخلاق والعمل والتفاني وإنكار الذات، والذكريات التي طالما طالبته أن يسجلها - حتي بصوته - إن لم يستطع كتابة ولكنه مع الأسف لم يفعل، وعرفت من خلاله كبار صحفيي وكتاب مصر الذين كانوا يحبونه ويحترمونه ويأنسون لرأيه، فقد كان موسوعة وشاهدا علي العصر وعندما ينطلق في سرد الذكريات يبحر بك من السياسة إلي الأدب ومن الدين إلي الشعر، وكنت أحب فيه فهمه الوسطي العميق للدين، وكثيرا ما كان يروي بعض الأحداث عن الإمام الجليل محمد متولي الشعراوي، الذي ظل يكتب مذكراته بعد الأستاذ أحمد زين وحتي وفاته. رحم الله أستاذي ووالدي عبدالوارث الدسوقي الذي أحببته في الله، وجزاه وتلاميذه الذين تذكروه خير الجزاء، وأرجو أن يجمعني الله به في جنات النعيم.