يقولون إن الطريق الي جهنم مفروش بالنوايا الحسنة ..تجسدت أمامي هذه الحكمة في ميدان التحرير يوم الجمعة عندما علمت بعزم بعض الجهات علي تنظيم مسيرة الي رفح اليوم الاحد لمناصرة فلسطين في ذكري النكبة التي تمثلت في قيام الكيان الصهيوني علي ارض مغتصبة تحت الشعار الاستعماري الاكذوبة "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض "..ومن حيث المبدأ لا أحد يمكنه التشكيك في حسن نوايا هذه الجهات وخاصة الشباب منهم المتحمس والمندفع بعواطفه الوطنية والدينية النبيلة..ولكن ذلك هو ، في رأيي ورأي آخرين غيري ، التوقيت الأسوأ علي الإطلاق لتنظيم مسيرة الي رفح بدعوي نصرة فلسطين..فذلك خلط للأولويات وتشتيت جهود شعبية مخلصة تحتاجها مصر الآن بشدة لإنقاذ ثورتها التي تواجه مؤامرات داخلية وخارجية منظمة ومخططة جيدا ..ولو سمحنا بإجهاض ثورة 25 يناير ، لا قدر الله ، أو بوقوفها في منتصف الطريق دون الوصول الي هدفها النهائي المتمثل في إقامة دولة مدنية ديمقراطية حديثة تسودها الحرية والعدالة والقانون ، سنكون قد ضيعنا مصر وفلسطين معا ..فمثل هذه المسيرة التي ستخترق سيناء لتتوجه الي رفح المصرية علي الحدود بيننا وبين رفح الفلسطينية سوف تستنزف الكثير من الوقت والجهد والاموال التي نحتاجها لدفع عجلة الانتاج وتعظيم مكاسب الثورة وتثبيت أقدامها في الداخل.. ولأن المسيرة ستضم شبابا ثائرا سوف تستفزه وتستثيره بالقطع رؤية جنود الاحتلال الاسرائيلي وجها لوجه ، فربما تنتهي الي تحرشات أو إشتباكات لا تحمد عقباها ولن تخدم أحدا سوي إسرائيل التي تبحث عن مخرج من المأزق الذي وضعتها فيه الثورات العربية وخاصة ثورة 25 يناير.. وللعلم والتذكير فقط أود الإشارة الي أن الحكومة الاسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو تتعرض حاليا لحصار شديد في الداخل والخارج نتيجة صحوة الشعوب العربية والمصالحة الفلسطينية وكذلك خطط الفلسطينيين للجوء للامم المتحدة في سبتمبر القادم لانتزاع إعتراف عالمي بدولتهم المستقلة وهو التحرك الذي أطلق عليه وزير الدفاع الاسرائيلي اسم "تسونامي سبتمبر الفلسطيني"..وفي مثل هذه الازمات الخانقة تحتاج اسرائيل الي إشعال صراع مسلح علي الحدود لتخفيف الحصار وتوحيد الجبهة الداخلية واسكات الاصوات التي تطالبها بدفع الثمن المستحق للسلام..وأعتقد أن الامر لن يحتاج الي دليل علي أن المسيرة المزمع تنظيمها الي رفح والتي أرجو الغاءها ، بل أطالب بوقفها عند قناة السويس بكل السبل الممكنة ، يمكن أن تكون طوق النجاة الذي ينتظره ويحلم به نتنياهو!!.. بقي أن أقول إن ثورة 25 يناير التي لم تقف علي قدميها في مصر بعد ، حققت لفلسطين بالفعل هدفين عزيزين بُح صوتنا في المطالبة بهما وهما المصالحة الوطنية وفتح معبر رفح ..فثورتنا فعلت كل ذلك لقضية فلسطين وهي لا تزال تقف علي قدم واحدة فماذا يمكن أن تقدم لها عندما تكتمل علي الصورة التي نتمناها ونحلم بها؟!!..إن مجرد سقوط حسني مبارك ، الذي وصفته إسرائيل بانه "كنزها الإستراتيجي" حقق للفلسطينيين كل هذه المكاسب فما بالك بما يمكن أن يحصدوه عندما يكتمل سقوط نظام حسني مبارك ويتم القضاء علي فلوله وبقاياه التي لا تزال تنتشر في مفاصل الدولة المصرية وتقاوم الثورة بكل ما اوتيت من قوة ..وهذه الفلول والبقايا علي استعداد تام لإحراق الوطن من أجل مصالحها المرتبطة بكل أعداء مصر وخاصة إسرائيل ، ومن أجل العودة بمصر الي ما قبل 25 يناير ..وأعتقد أن هؤلاء سيسعدهم تماما توجه مسيرة حاشدة الي رفح لأن ذلك سيحقق هدفا مزدوجا بالنسبة لهم إذ سيخفف ضغوط الثوار عليهم في الداخل ،وربما يفتح جبهة مع اسرائيل في وقت قد تظنه مغريا حيث يعرف الجميع أن جيش مصر يتحمل مسئولية صعبة ومعقدة في الداخل لحماية الثورة والوصول بها الي بر الامان..ولكن يخطيء من يظن أن الحدود المصرية مكشوفة أو سهلة المنال لأن الجيش المصري ومعه الشعب سيتحولون في لحظة واحدة الي نار تحرق كل من تسول له نفسه تجاوز حدوده.. ومما سبق يتبين بما لا يدع مساحة للشك أن استكمال تحرير مصر من بقايا وآثار وازلام وأيتام مبارك سيصب في قناة تحرير كل الشعوب والبلدان العربية بمن فيها الشعب الفلسطيني..ولعلنا نذكر أن الثورة المصرية هي التي حركت موجات الاحتجاج في مختلف الشوارع والميادين العربية ، وصار في عواصم كل البلدان التي شهدت مظاهرات مطالبة بالتغيير والحرية ساحة أو ميدان للتحرير..فعندما تصحو وتقوي مصر تكون صحوة وعزة العرب وإذا غابت أو ضعفت ، كما حدث في العهد البائد، تكون نكسة العرب ونكبتهم .. ويبقي القول أخيرا إن الرسالة التي يريد منظمو المسيرة أن يبعثوا بها ستصل من أي مكان ..بل إنها وصلت بالفعل يوم الجمعة من ميدان التحرير ،أيقونة الثورة ورمزها في مصر والوطن العربي وكل انحاء العالم، حيث كانت مليونية حاشدة للدفاع عن الوحدة الوطنية وتأييد القضية الفلسطينية..وإذا كان كل ذلك ليس كافيا فلتكن المسيرات والمظاهرات في القاهرة ومدن مصر الاخري ..أما الزحف الي سيناء فيجب ألا يكون إلا لهدف واحد هو زراعتها وتنميتها وتعميرها ..وذلك واجب مقدس وفرض عين سنكون خائنين لدماء الشهداء وثورة 25 يناير إذا لم نشرع في تنفيذه الآن وفورا..فلنتفرغ الآن للدفاع عن الثورة المصرية ولننتشر في الاقاليم والقري والنجوع لشرح اهدافها النبيلة للبسطاء من أهلنا لكي يدافعوا عنها ضد الثورة المضادة اليوم وغدا وفي كل حين.