يتغير المجتمع من حولنا ومرت بالنهر مياه كثيرة فإلي أين نمضي؟ فريق يكتفي بمصمصة شفتيه والتحسر علي ما كان وفريق يأمل في مستقبل أفضل وما بين هذا وذاك نحتاج لخبير يفسر لنا أحوال المجتمع الإيجابية والسلبية.. د. أحمد زايد أستاذ الاجتماع السياسي وعميد كلية الآداب جامعة القاهرة الأسبق يراقب الظواهر الاجتماعية والسياسية عن قرب ويحللها علميا بعين الخبير. ومن خلال رصده لحركة المجتمع وما ظهر علي الناس من تغيرات إيجابية أو سلبية في السنوات الأخيرة التي مرت فيها مصر بمنعطفات خطيرة سياسياً واقتصادياً واجتماعيا وكيف تأثرت الطبقة الوسطي بتلك التغيرات وما مستقبل هذه الطبقة التي تعتبر عمود المجتمع والمفروض ان تقود العمل العام؟ ويري د. زايد ان المجتمع متجانس ومتماسك وقت الأزمات وأن تطوير الخطاب الديني لا يرتبط بتغيير المواعظ وإنما بإعادة النظر في التاريخ الإسلامي وانتقاء ما يصلح للعصر الحديث،وان المشكلة السكانية ابرز نماذج اللامبالاة الفردية التي تزيد اعباء الحكومة باستمرار. المشكلة السكانية تعكس اللامبالاة وتستنزف جهود الدولة تآكل الطبقة الوسطي أدي لتفكك منظومة القيم تجديد الخطاب الديني يحتاج إلي فكر مستنير مجتمعنا متجانس والشعب يتحد وقت الأزمات • نبدأ بالظواهر الإيجابية التي جدت علي مجتمعنا في السنوات الأخيرة؟ - المجتمع المصري بخير في نواح كثيرة ولست مع المتشائمين فنحن مجتمع قديم جدا ولدينا ادواتنا وأساليبنا وآلياتنا ونستطيع من خلالها أن نحافظ علي استقرارنا مهما كانت الظروف ثانيا: إن الكثير من المشكلات التي يواجهها الإنسان المصري لا تمنعه من ان يكون دؤوبا ومكافحا ويحاول دائما ان يبني الحياة. وثالثا:حتي لو كانت هناك مشكلات في المجتمع المصري فنحن في بداية عصر جديد بعد 30 يونيه استطعنا ان نسترد بلادنا ممن ارادوا اغتصابها وأصبحت لدينا نخب سياسية أكثر قدرة علي العطاء وأكثر قدرة علي حراسة المجتمع بشكل أفضل وتعمل للصالح العام وليس لصالح فئة قليلة العدد.. علي رأس هذه النخبة يأتي رئيس الجمهورية الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي اختاره الشعب بالإجماع لأنه علي قدر عال من تحمل المسئولية واستطاع من خلال الجيش ان يحمي الشعب في 30 يونيه وسوف يكمل المسيرة ويقوده إلي بر الأمان..هذه كلها مقدمات مهمة لابد ان تقال في البداية وكلها تعكس ايجابيات وأهمها تجانس المجتمع عبر فترة محددة فهو يملك ارضا وثقافة وتقاليد محددة ومعروفة كما ان المصريين يتحدون وقت الأزمات حتي وإن تفرقت بهم السبل ويتكاتفون ويظهر المعدن الأصيل للشعب، كما أن المرأة في مجتمعنا تقوم بدور هام في الحفاظ علي الأسرة، فبينما هناك الكثير من المجتمعات تتفكك ولكن المجتمع المصري ما زالت الأسرة فيه قوية بفضل المرأة التي تلعب دورا هاما في حراسة الأسرة وتضحي بالكثير من اجل استقرار أسرتها، ومن المزايا الهامة أننا مجتمع شبابي حيث يمثل الشباب نسبة كبيرة من السكان فإذا ما استغلت هذه القوة فسوف تعطي دفعة للتنمية تبعا لخصائصها الاجتماعية بمعني إذا ما أحسنا تربيتهم وتعليمهم وأصبح لديهم الالتزام والثقة وتحمل المسئولية. استقرار الدولة وماذا عن الإيجابيات التي تحققت علي مستوي الدولة؟ - استطاع المجتمع خلال الثلاث سنوات الماضية بناء دولة الاستقرار ونشأت المؤسسات التي لم تكن مكتملة وأصبح لدينا رئيس جمهورية يحبه الشعب وبرلمان ودستور، اي اكتملت دولة المؤسسات وتمت حماية المجتمع من التفكك بجميع أشكاله ومن الفوضي. وهناك ايضا مشروعات كبري تنفذ علي نطاق واسع مثل الطرق والكباري والمدن والموانئ لتحقيق نهضة اقتصادية وعدالة اجتماعية وهناك اهتمام بمشكلات الفقراء والطبقات المحرومة في المجتمع وهي مزايا يجب ان نقدرها ونثمنها. في مقابل هذه الإيجابيات ظهرت للأسف بعض السلبيات؟ - أحيانا نلحظ بعض التفكك في منظومة القيم والأخلاق والمبادئ العامة التي أصبحت تتغير بشكل أسرع من أن نستطيع استيعابه،وهذا التغير القيمي يحدث في جميع انحاء العالم ولكنه يحدث لدينا بشكل اكثر عمقا فتنمو القيم الفردية والمادية وأنا كمتخصص في علم الاجتماع قد اقول ان هذا طبيعي لأنه من شأن المجتمعات ان تتغير في هذا الاتجاه ولكن التغير لدينا يحدث بشكل سريع جدا ومشوه فالفردية تفهم وكأنها حرية بلا قيود أو أن الفرد لا يتحمل المسئولية ويعتمد علي الدولة في كل شئ ولا يريد ان يبذل جهدا في العمل فيبرر تصرفاته بتبريرات يصعب تقبلها من الناحية العلمية، ولعل هذه هي المشكلة الأساسية التي نعاني منها والتي تجعل بعض الناس لا يحترمون القانون ويتصرفون بلا مبالاة. ما أبرز الأمثلة علي السلوك الفردي السلبي؟ - لنأخذ مثلا الزيادة السكانية التي تمثل شكلا من عدم المسئولية فعدد السكان تضاعف منذ حرب 1973 والسكان عندما يكونون منتجين وعلي درجة عالية من التعليم والصحة والسعادة يعتبرون اضافة للقوي الإنتاجية..ولكن الكتل السكانية الكثيفة هي عبء علي موازنة الدولة فملايين الأطفال يحتاجون لمدارس ومستشفيات ومرافق ومساكن مما يستنزف جهود التنمية، ولذلك نجد خلال الأربعين عاما الماضية ان كثيرا من الموارد استنفد في الدعم فالفقر يأتي من التوالد الزائد بإمكانيات قليلة فنجد الأب محدود الإمكانيات تعيش اسرته في غرفة واحدة مع 6 او 7 أطفال فكيف سيكون مستقبلهم؟ وقد يبدو هذا الشخص فخورا بالأسرة الكبيرة ويعتبره قرارا فرديا ولا يبالي بالدولة وغالبا ما يتم تزويج الفتيات في سن صغيرة ويتسرب الأولاد من التعليم ويزداد عدد اطفال الشوارع.. فقضية السكان هي قضية محورية ومرتبطة بطموحنا الاقتصادي وبمستقبل بلدنا فالمفروض ان الأطفال مصدر الثروة التي تعتمد عليها الأمم. الشباب يمثل نسبة كبيرة من السكان فكيف نحسن إعداده للقيام بدوره؟ - يمثل الشباب قطاعا عريضا من السكان حوالي 60 % بل يصلون إلي 85% في القطاع الريفي غير الحضري والعشوائيات وهم ليسوا كتلة واحدة فبينهم اختلافات من حيث التعليم ومستوي التعامل مع التكنولوجيا والسياسات التي توضع للشباب يجب ان تراعي جميع قطاعاتهم وأن تجري دراسات لفهم الشباب وتطلعاتهم ونظرتهم للمستقبل لأنهم يختلفون عنا، والأفضل ان تمثل جميع القطاعات في مؤتمرات الشباب، وعلينا ان نعرف ان الشباب بطبعه يميل للتطرف بسبب تكوينه العقلي ويكرس النظام التعليمي هذا الاتجاه من شخصية المدرس والمناهج القائمة علي الحفظ والتلقين والعقل التقليدي يميل للماضي من باب الاستسهال فلا وجود لتعليم متميز يغرس قيم التسامح والروح النقدية والثقافة التي تصقل العقل وتنمي الحس الجمالي وتذوق الفن والشعر والأدب ويؤمن بالتعددية والديموقراطية، فيرفض التطرف لأنه تعلم ان يناقش. الطبقة الوسطي الملاحظ ان الطبقة الوسطي بدأت في التفكك بفعل الضغوط الاقتصادية؟ - بالفعل حدث تباعد اجتماعي في الطبقة الوسطي وانقسمت إلي فئات لا يجمعها هدف أوخطة واحدة وغاب عنها الفعل التواصلي فالطبقة الوسطي كانت متجانسة في الستينيات وبدأت بنيتها في التغير بعد الانفتاح الاقتصادي عام 1975فصدرت سياسات غير منضبطة وأشكال من الحرية الاقتصادية قسمت الطبقة الوسطي إلي عدة شرائح العليا تمكنت من خلال المغامرات الاستثمارية وقروض البنوك ان تضارب في الأراضي والسياحة فابتعدت إلي الأعلي وأصبحت مرتاحة ماديا وشريحة عانت من سياسات انسحاب الدولة واعتماد سبل التقشف فحدث هبوط للفئة الدنيا والشريحة الوسطي من المهنيين وأساتذة الجامعات والأطباء وأمثالهم ممن استثمروا في تعليم أبنائهم وتأمين مستقبلهم أما الموظفين ومحدودو الدخل فقد نزلت فئات عريضة منهم إلي طبقة الفقراء.. هذا التغير في بنية الطبقة لم يترك لها هدف او أسلوب حياة واحد وإنما أصبح لكل شريحة توجهات مختلفة فتفككت الطبقة الوسطي وهي عامود المجتمع والمفروض أن تقود العمل العام. علي المستوي الثقافي هل حدثت تغيرات ملحوظة؟ - قل الاهتمام بدور المجتمع المدني والجمعيات الاهلية والنقابات في خدمة المجتمع وانحسرت قيم التسامح والتقدم والتطور وحل محلها الفهم الشكلي للدين والتفسيرات الغريبة للنصوص والتاريخ الإسلامي مما أدي إلي تربع التطرف في جسد المستويات الدنيا والوسطي وهو تطرف اجتماعي وديني ورفض للآخر وعدم التسامح معه والإعراض عن العمل الحزبي او التطوعي، وهذا التطرف زرعه ونماه الإخوان والسلفيون فتمسكوا بالدين من الناحية الشكلية فقط. الخطاب الديني ما اهمية تجديد الخطاب الديني لحماية شبابنا من التطرف؟ - تجديد الخطاب الديني هام جدا وأنا اؤمن أنه لا يبدأ بتجديد الوعظ اي ليس استبدال وعظ بوعظ فأغير الخطب فالأهم خلق تيار حداثي واعي يفهم أن الدين كإطار لاشتقاق القيم التي تساعدنا علي النهضة والتقدم في ضوء عقلية حديثة مستنيرة متطورة تؤمن بالتعددية وبالتطور فلابد ان تقوم فلسفته علي بناء تيار حداثي مختلف واع ومستنير يقوم علي الرؤية السليمة للحياة وللحاضر والمستقبل..تيار لايأخذ من الماضي إلا القيم التي تساعد علي صنع الحضارة ولا تساعد علي العنف ويحتاج إلي تغيرات كثيرة أهمها الاهتمام بدور التعليم والإعلام والأسرة والاهتمام بالمسجد ودوره كمؤسسة دينية..وفي نفس الوقت لابد من اعادة قراءة التاريخ الإسلامي وتقديمه بشفافية بجوانبه الإيجابية والسلبية باعتباره صانعا للحضارة وإعادة قراءة النصوص الفقهية وتفكيكها وفهم طبيعة تكوينها والدور الذي لعبته في تكريس السطة والقبلية والبحث عن اجتهادات جديدة يمكن ان تنبع من التفسيرات الفقهية لأنها اقوال بشر تخضع للتحليل والنقد وإعادة التركيب بهدف فهم الحياة التي نعيشها والهدف منها حتي يمكننا نشر نمط من التدين يقوم علي فهم للإيمان مختلف عن الفهم الشكلي بوصفه عملا وإنجازا وعدلا وشفافية وعدم فساد؛ فمن الظواهر التي نعاني منها الآن ان نجد من يربي لحيته ويحرص علي الفرائض لكنه فاسد، هذا النمط من التدين فاسد ايضا لهذا نحتاج إلي نمط آخر يتفق فيه العمل مع الدين وفي نفس الوقت نهتم بالتعليم والجوانب الثقافية والإبداعية. كل هذا يؤدي إلي خلق التيار الجديد وفي نفس الوقت ندعو للتيار الحداثي المدني في الحياة. هل قربت وسائل الاتصال الاجتماعي بين أفراد المجتمع أم فرقتهم؟ - بل أدت إلي التفكك طبعا فهي تحدث تقريب وتفكك في نفس الوقت فنحن نعرف اخبار بعضنا البعض بنظرة علي الانترنت لكنها تعمق الفرقة والفجوة بيننا وتجعل كل فرد يتحاور مع الهاتف المحمول ويخرج من الحوار الواقعي مع الأسرة والأقارب والأصدقاء وقد يجلسون في غرفة واحدة ولكن كل منهم منعزلا عن الآخرين فتدعم الفردية. انتشار العنف في المجتمع من العنف الأسري إلي الشارع؟ - مصر من أقل الدول في العنف علميا مقارنة بأي دولة وبأي نمط من انماط العنف سواء في الأسرة أو المدارس أو الشارع ويجب ان نعرف هذه الحقيقة وأن الدراسات المزعومة عن انتشار العنف والتحرش هي »شغل مجتمع مدني» وينشرها المغرضون بهدف خدمة اعداء البلد فنحن كمجتمع مسالم وتعود علي التسامح فلابد ان ينزعج من اي حادث عنف ،أما اكثر اشكال العنف انتشارا في مصر فهو العنف القائم علي الضوضاء والزحام والتزاحم علي الخبز إنما العنف التفاعلي بين الأطراف المختلفة فغير منتشر ولا يعتبر ظاهرة حتي نقلق منها.