خطفت "جمعة الفرح" البريطانية أنظار العالم عن جُمع الغضب العربية؛ لكننا نحن الموروطين بين الماء والصحراء لم نستطع التحول عن معارك الكر والفر في الشوارع العربية من سورية إلي ليبيا واليمن والبحرين. ومن أخذه الشوق إلي لحظة فرح ألقي نظرة عابرة علي موكب وليام ابن أميرة القلوب ديانا وأميرة قلبه كيت ميدلتون التي حرصت علي محاكاة نظرة أمه وابتسامتها. حفل الزفاف تكلف مائة مليون استرليني، علي مضض من الجمهوريين، لكن بقية البريطانيين لا يمانعون في إنفاق هذه المبالغ وأكثر، علي أسرة صارت شيئًا من التراث البريطاني ورمزًا لعراقة البلاد أكثر من كونها رمزًا للحكم. المائة مليون التي تم إنفاقها ذهبت في الحقيقة إلي الشعب نفسه، الذي حصل علي يوم للبهجة وعطلة رسمية. هي ليست نفقات علي ذبائح تلقي في القمامة، بعد حفل عرس متكبر، لا يراه أحد في كومباوند مافياوي مغلق أو في أحد الفنادق التي لا يستطيع أن يقترب منها أحد. مواكب العائلة المالكة البريطانية، هي مواكب للحب، في مناسبات الزفاف وأعياد الميلاد والمناسبات الوطنية. وقد بدا عرس القرن الحادي والعشرين استعراضًا شعبيًا يستمتع به الانجليز، مثلما استمتع به مليارا إنسان حول العالم، بمن فيهم أمثالنا من أبناء المستعمرات البريطانية السابقة. استعضنا شيئًا من ديوننا عند الإنجليز، واستمتعنا معهم بالعرض الذي أدت فيه العائلة المالكة أدوارها مجانًا من أجل بهجة شعب في مراسم زفاف مرئي، العائلة المالكة مرئية من الشعب والشعب يراها. تلويحات ونظرات متبادلة تخلق الألفة، وكل خطوة في الاستعراض محددة بالساعة والثانية، حتي البوسة الملكية. مواكب واحتفالات تختلف عن مواكبنا، التي كانت تخلي فيها الشوارع، بينما يلوح الرئيس للشعب اللامرئي ردًا علي ود غير موجود أصلاً. آخر موكب لمبارك لو تذكرون كان عقب افتتاح الدورة البرلمانية لمجلس الشعب المزور. تحدث بالإيقاع الرتيب نفسه الذي لم يتغير علي مدي ثلاثين عامًا، سواء كان الخطاب في عيد النصر أو عيد الأم أو خطاب مساومة مع الجماهير الغاضبة قبل التنحي مباشرة. تحدث بما أغضب شعبًا واقعيًا لا يراه الرئيس، كان يتصور أن من يضيق بحكمة حفنة من السياسيين أعلنوا عن برلمان مواز، ولم يمانع الرئيس من أن تلعب هذه القلة الاسكواش أو تشكل برلمانًا "خليهم يتسلوا". كان أبرز ما في استعراض افتتاح البرلمان التناقض الصارخ بين صخب المصفقين المزورين بالقاعة الأبدية وخلو الشوارع لحظة انطلاق موكب مبارك خارجًا. كان هو وبرلمانه وسروره في المشهد فقط؛ بينما لا وجود لإنسان علي امتداد رحلة الرئيس من قصر العروبة إلي المجلس وبالعكس، كما لو تم تهجير الشعب أو التحفظ عليه في مكان مجهول. ليكن ذلك الموكب، آخر مواكب الكراهية، وليرزقنا الله وترزقنا إرادتنا الحرة برئيس جديد في الانتخابات القادمة، نحبه ويحبنا، يمشي بيننا، وربما ينتهي موكبه إلي شرفة يلوح منها لجماهير حقيقية، وليس لجماهير من المخبرين وأعضاء الحزب. وإذا كانت الشرفة بالشرفة تذكر؛ فلابد أن تستدعي شرفة قصر باكنجهام إلي ذاكرتنا شرفة الشقة المصرية الغامضة في لندن. محاطًا بجدته الملكة وأبيه الأمير وكاميلا (التي بدت غريبة علي الأسرة حتي هذه اللحظة ولم تعط وجهًا للكاميرا) مع بقية أفراد العائلة المالكة أطفالاً وشيوخًا، وقف وليام وكيت في شرفة الحب بالقصر البريطاني، لوحا مع العائلة للجمهور المحتفل تحت الشرفة، قبل أن يعيدا إلي الملكية وجهها الإنساني بقبلة تشبه قبلة أمه ديانا وأبيه تشارلز، ولكن يبدو أن القبلة بين العروسين الجديدين لن تكون الأخيرة بينهما مثلما كانت قبلة الوالدة والوالد؛ اللذين تزوجا زواج صالونات سرعان ما ضاق به كل منهما، وتبع قلبه في اتجاه آخر. وأيًا كان مصير زيجة الأب والأم؛ فقد كانت شرفة قصر باكنجهام في مثل تلك اللحظة منذ ثلاثين عامًا مصدرًا لبهجة الشعب الإنجليزي، علي أن تقليد الوقوف بالشرفة لتحية الجماهير بلا قبلات، يعود إلي ما قبل بوسة ديانا وتشارلز بكثير، لكن القبلة العفوية أدفأت برودة القصر الملكي ومن تاريخها فصاعدًا ستصبح تقليدًا. وقد وجد الشعب البريطاني في الابن العوض عن أميرة القلوب ديانا التي راحت في حادث لم يزل غامضًا، عندما قتلت مع دودي الفايد. ماتت ديانا وأخذت معها مصريًا، لكن في نفق بباريس وليس من شرفة القصر، وكأن الانجليز يقولون: نستطيع أن نقتل مثلكم (في ظروف غامضة) لكن في أماكن أخري، لتبقي الشرفة مكانًا للحب والتلويح للجماهير. لنحتفظ نحن المصريين بمنهج الموت من الشرفة في العاصمة البريطانية تقليدًا حصريًا لنا، لم يسبقنا إليه ولم يلحق بنا إليه أحد. الليثي ناصف، سعاد حسني، وأشرف مروان. وجهان من السلطة ووجه من بيننا، كانت لسعاد رقة ابتسامة وجمال عيون الأميرتين البريطانيتين معًا، ولم يزل موتها غامضًا، مثله مثل موت الرجلين. ثلاثة ملفات قد تفتح أو لا تفتح في زحمة محاكمات التطهير، وسواء انفتحت أو ظلت طي الكتمان، سنظل ننظر خلفنا بغضب، وننظر أمامنا بأمل أن نحظي في المستقبل القريب بمواكب وشرفات للحب؛ فنحن نستحق.