الأقباط حائرون، يفكرون، يتساءلون في جنون، حبيبتي من تكون، ولسان الحال يغني عن السؤال، حبيبتي "مصر" من تكون. شاهت حروف الوطن، تآكلت حواف الوطن، تكالب علي "مصر" المتكالبون، المتشحون، المرجفون، إسلامنا الحنيف حفظ للأقباط مكانتهم، ورسولنا الكريم صلي الله عليه وسلم تزوج منهم، وأنجب، مالهم يستكثرون عليهم ما أنعم الله، ويتكبرون عليهم بما لم يأمر الله، هل دانت مصر لمن لا يخاف الله ولا يرحمنا، هل ضاقت أرض مصر بالأقباط بما رحبت. تلك الأرض الطيبة التي لجأت إليها السيدة العذراء وابنها الرضيع هربًا، ملاذًا آمنًا، مستقرا ومستودعا، ادخلوا مصر بسلام آمنين، اهبطوا مصر لكم ما سألتم، فيها مساجد وكنائس، وصوامع، فيها مشايخ صالحون يعبدون الله قيامًا وسجودًا وعلي جنوبهم، فيها رهبان يناجون الملكوت في قلايتهم الضيقة، فيها أضرحة الصالحين، ورفات القديسين، تتناغم فيها أجراس الكنائس ومآذن المساجد، حي علي الفلاح. في عيد القيامة المجيد عبست وجوه ، وتكدرت وجوه ، شاهت البسمة علي الشفاه، اختفت الفرحة ، لم تعد تطل في عيون الصغار ، والحبور يسري في نفوس الكبار ، ضاعت التبريكات والمعايدات إلا من قليل، لايزال بيننا أقباط متفائلون مصرين علي الحياة، الأقباط تتنازعهم هواجس مخيفة، تصك آذانهم فتاوي مريبة، يحسون ضيقا، يشعرون ألما، نفر من أخوة الوطن يجرحونهم، يؤذونهم، أينما يولي القبطي وجهه هناك ملتح يتوعده بالويل والثبور وعظائم الأمور. شيوخ الأقباط عقدت ألسنتهم الدهشة، ليس هذا هو الوطن الذي عشقنا، وإن عشقنا فإن في وجهنا نظر، في مصر أمن وأمان، في مصر يصدح الأذان، في مصر يفشي السلام، السلام عليكم أهل دار طيبين، لن نرحل عن هذه الديار . شباب الأقباط ثائرون، متوترون، متحفزون، نفر منهم يعد العدة للهجرة إذا حمَّ القضاء، نفر منهم صار متحفزا، هذه أرضي أنا وأبي ضحي هنا، وأبانا الذي في الكنيسة قال لنا، اهلكوا أعداءنا. نساؤهم تخشي السفور، مالهم بالحجاب، في الطرقات يعلمون عليهن، السافرة مسيحية حتي يثبت العكس، يعانون تمييزا في اللباس، تطاردهن اللعنات ، النفوس النقية الصغار، لماذا جفت الحنية في القلوب الخضراء ، لماذا كل هذا الجفاء، الطفل القبطي لايجد مكانا بين أخوته، بين أهله وناسه وعشيرته التي تربي في بيوتهم وطعم أهلهم ورضع لبنهم، ونام علي وسادتهم، وسادة من لحم لين، من قلب طيب، من قلوب تحب الحب لأهله وتبغض الكره في أهله. مثقفوهم صاروا منفرين، ينذرون قومهم، يصرخون، يصرحون بالتي هي أسوأ، يبثون خوفا وخشية، يبحثون عن هفوة هنا أو فتوي هناك ليهيجوا المشاعر، ويوقظوا المخاوف، ويثبتوا الاضطهاد الذي ما فتئوا يتحدثون . قسسهم ورهبانهم الذين يتبعون يجيشون، يعبئون، يخلخلون حب الشباب لأمهم مصر، مصر ليست وطنا نعيش فيه ولكن وطن يعيش فينا، مقولات لم تعد تسمع في الكنيسة، الراعي الصالح لم يعد صالحا، صار مربدا مزبدا محذرا منذرا مجيشا متوعدا، لايفل الحديد إلا الحديد، والفتوي بعشر أمثالها، والخطبة بألف عظة مما تعدون، فتوي بفتوي عظة بعظة والبادي أظلم. فضائياتهم صارت تكيل الاتهامات، وتدبج الحكايات، وتهيل التراب، وتعبث بالمعتقدات، رد فعل علي ما يتقولون به علي المسيحية والسيد المسيح عليه السلام، صارت حربا، وتتداعي إليها نفر متهوس من الفيسبوكيين والتويتريين دخلوا حربا إلكترونية لا تبقي ولا تذر، لم ينج من هولها رسول ولا صحابي ولا قديس ولا راهب، الكل باطل، الكل في المطحنة، غرق في يم الخيانة، غرق في يم العمالة. المهجريون صاروا يصرخون ويندبون قدر قومهم في مصر، كل حبة في جرجا تصبح قبة في نيوجيرسي ، الحداثة الفردية في أبي قرقاص صارت جماعية في أطلنطا ، حديث الاضطهاد يسري، وتدركه القلوب بلا عناء، وتجييش الغرب علي قدم وساق، يلتقطون من التربة المصرية فتاوي السلفيين، وتصريحات الإخوان المسلمين ، وخطب المنابر، ومشاحنات الصعايدة، وقصص الحب، ومن الحب ما قتل، والحب يربط بين الفتاة والفتي، قلوب خضراء تنشف، تذبح علي مذبح الطائفية البغيضة، ويهتف هاتف، ويخطب خطيب، ويفتي مفتي، ويصرخ صارخ أن أعيدوا لنا كاميليا ووفاء وحاكموا قتلة سلوي، مادة خام للتهييج والإثارة. مالكم ، مابكم ، ويلكم، ما خطبكم، ما دهاكم، لكم في القلب مكان ولكم في الأرض موضع ولكم في مصر ما سألتم، كل هذا القلق، كل هذا الخوف، الغالبية من المصريين لايفرقون بين مسلم ومسيحي إلا بالكلمة الحسنة ، كلمة طيبة لايتبعها أذي ، فينا من يأكل طعامكم، ويشرب نخبكم، ويزف عرسكم، ويفرح لفرحكم، ويأسف لحزنكم، ويرسل رسائل رقيقة تهنئة في أعيادكم، كلوا واشربوا وقروا عينا، لايجرمنكم شنآن قوم.