نحيل الجسم قصير القامة اكتسي وجهه بلون سمرة أبناء الصعيد فضل في البداية عدم تكوين صداقات أو معارف مكتفيا بهز رأسه لتحية من يقابل حتي ترك انطباعا جيدا عند الجميع وعرف أهل الشارع أنه الأستاذ نسيم مسيحي ومدرس إنجليزي ربطت بينه وبين كثير من السكان علاقة جيدة وعندما تعرفنا به اتفق أن أكون أول طالبة عنده من بداية العام الجديد ولم تكن الدروس الخصوصية منتشرة أيامها أو إجبارية كما يحدث الآن، فالمدرس كان يبذل قصاري جهده ليخرج التلاميذ من الفصل وقد استوعبوا الدرس تماما وكان يلجأ إليه كثير من أهل الحي ممن يستشعرون احتياج أولادهم لمساعدة في الإنجليزي، والحقيقة لم تكن الدروس ولا المساعدة هي ما ربطته بجيرانه بقدر إنسانيته وتعامله، فإذا مرض أحد كان هو أول الزائرين وإذا توفي آخر كان أيضا أول المشيعين مشاركا في كل المناسبات الدينية، ففي رمضان يبقي جائعا لأنه معزوم علي الفطار عند الجيران بالترتيب وأيضا عند أصدقائه من المسلمين، يشتري حلاوة المولد والياميش، تخوف مني في إحدي سنواتي الدارسية وأكد ضرورة حصولي علي درجات عالية وبظهور النتيجة وحصولي علي 48من 50 وجدته يرقص فرحا، ضرب الأستاذ نسيم بدماثة خلقه وحبه للخير وأخلاقه الرفيعة أروع مثل في التكافل الاجتماعي فكم من طلبة وطالبات أخذوا عنده دروسا بلا مقابل بمجرد أن يعرف أن هذا أو ذاك غير قادر علي دفع المبلغ المتفق عليه شهريا، يذهب كالمعتاد ويرفض رفضا باتا أن يأخذ منه شيئا، تحول يوم فرحه لمظاهرة حب، امتلأت قاعة الكنيسة عن آخرها وبقي الكثيرون بالخارج حملوه فور خروجه حتي المنزل، واصطحبت النساء والفتيات العروس في زفة كبيرة وظل الكل أمام البيت يرقصون ويطلقون الزغاريد ويستمعون للموسيقي حتي الصباح، كانت حياته وسط أبناء الحي كلها محبة وإخاء، أنجب فيها ثلاثة أبناء، وفجأة اشتكي من مغص شديد بأمعائه تناول بعدها العلاج لأسبوعين ويتزايد ألمه مع كل يوم حتي فارقنا وبقيت عائلته حتي هذا اليوم محل حب وتقدير ورعاية رغم مرور سنوات علي رحيله.