تصادف هذا العام.. ولأول مرة.. يومان مهمان في تاريخنا المعاصر.. يومان عشناهما بكل جوارحنا وحواسنا.. يومان أثرا في جيلي وفي مصر كلها أبلغ الأثر.. بكينا في واحد وفرحنا في الآخر.. تألمنا في الأول وهللنا في الثاني.. ولكن كليهما حفرا لنفسيهما مكانا في التاريخ لا يمكن أبدا أن ننكره أو ننساه. خمسة يونيو.. والعاشر من رمضان.. الأول ذكري مؤلمة جرحها غائر في قلوبنا.. والثاني ذكري سعيدة فخرها عال في نفوسنا. لكن اليوم بالميلادي هو ذكري النكسة.. خمسون عاما مرت علي هذا اليوم الذي أتذكره كما كان بالأمس.. كنت صبيا في الصف الأول الاعدادي عندما صحوت في هذا اليوم لأسمع نشرة الأخبار بالراديو وهي تزف الينا أنباء عن هجوم اسرائيلي تصدت له قواتنا وتسقط عشرات الطائرات المغيرة.. وتعقبها الأغاني الوطنية.. في البحر هاندفنهم في البحر.. وهاندحر كل قواهم دحر.. ده اليوم اللي بنستناه وبنتمناه.. وميعادنا قريب في تل أبيب بإذن الله. لكن الله لم يأذن.. وضربت مطاراتنا ودمرت طائراتنا وهي علي الأرض.. وانتهي الكابوس باحتلال اسرائيل كل سيناء وأصبحت قواتها علي الضفة الغربية من قناة السويس. رغم مرور خمسة عقود علي هذه الهزيمة فإن هناك علامات استفهام كثيرة لم تجد إجابة، لأنه ببساطة لم يفكر أحد في إجراء تحقيق مستقل ونزيه حول تلك الأحداث المأساوية وتحديد المسئول عن ضياع الأرض والعرض العربي علي يد الجيش الاسرائيلي.. وتسبب في عار للقوات العربية.. استردت كثيرا من كرامتها في العاشر من رمضان.. لكن الوضع الذي خلفته الهزيمة مازلنا نعاني منه حتي الآن.. خاصة في الموضوع الرئيسي وهو الصراع العربي الاسرائيلي.. وقضية الشعب الفلسطيني. حتي الآن لم يتم حسم وتحديد المسئولين عمدا أو إهمالا عن تلك الهزيمة.. ولكن المؤرخين يتبنون خمس نظريات حول تقييم أداء قادة تلك الفترة: النظرية الأولي يسوقها أنصار الرئيس عبدالناصر وتقوم علي أن المشير عبدالحكيم عامر لم يكن مستعداً لخوض الحرب وضلل الرئيس عبدالناصر الذي بني رؤيته وقراراته علي معلومات غير دقيقة. الثانية يسوقها أنصار المشير عامر وتقوم علي أساس أن القوات المصرية كانت مستعدة للقيام بالضربة الأولي وكانت لدينا الخطط والتدريبات التي تضمن نجاحها بنسبة كبيرة لكن إصرار ناصر علي تحمل الضربة الأولي هو الذي كلفنا كل هذه الخسائر. الثالثة يشارك فيها الفريق سعد الشاذلي والرئيس أنور السادات وتقوم علي أساس أنه كان بإمكان القوات المصرية تلقي الضربة الأولي مع عمل تكتيكات وخطط حربية يمكن أن تحقق التوازن في القوة مع العدو. الرابعة يروج لها الاشتراكيون المصريون وهي أن مصر كان لديها مشروع تنموي ونهضوي ضخم، هذا المشروع كان لا يصب في مصلحة إسرائيل والقوي الغربية فكان لابد من هزيمة وكسر شوكة عبدالناصر ومن ثم إفشال مشروعه والقضاء عليه. النظرية الخامسة والأخيرة يتبناها ويسوقها الأمريكان وهي تقوم علي فكرة البحث عن المستفيد من هزيمة مصر وانكسار عبدالناصر ووفقاً لهذه النظرية نجد أن الاتحاد السوفيتي هو المستفيد الأول من نتائج 1967 فقد كان يحلم بالتواجد بقواته في مصر ومنطقة الشرق الأوسط ولم يكن يمكن أن يحقق ذلك سوي بهزيمة وانكسار ناصر ومشروعه أمام إسرائيل. وكل تلك النظريات في رأيي صحيحة وجائزة.. وإن كان الحديث عنها يغلفه الكثير من الغموض.. ويتصادم مع عوامل أخري كثيرة.. والنصر الكبير الذي تحقق في العاشر من رمضان وضع غطاء عليها.. ولم يعد الحديث عن الهزيمة لائقا.. فقد محونا عارها بالنصر.. واستعاد رجال الجيش المصري كرامتهم وكبرياءهم ببطولات رائعة وفريدة.. وأثبتوا أنهم ظلموا في حرب لم يستعدوا لها.. وانهزموا في مباراة لم يذهبوا اليها. خمسة يونيو صفحة انطوت من حياتنا بعد نصر رمضان.. والجيش المصري هو رمز الوطنية والرجولة والتضحية والفداء.. وجنوده هم خير أجناد الأرض.. ووقفاته الشجاعة مع الوطن والشعب تجعلنا نقدر لرجاله وأبطاله كل المواقف. تحية لأبطالنا في ذكري العاشر من رمضان. وحيد والجماعة استمرارا للبحث في دهاليز التاريخ الذي عشناه أو لم نعشه.. نلاحظ تضاربا كبيرا بين شهود العصر الواحد.. وربما بين شهود الواقعة الواحدة.. هذا تكرر كثيرا في تاريخنا القديم أو المعاصر.. وسوف يتكرر كثيرا. أتحدث عن مسلسل الجماعة للمؤلف القدير وحيد حامد.. واخراج شريف البنداري والذي انتظره الملايين استكمالا للجزء الأول منه والذي كان يتحدث عن سيرة وحياة حسن البنا مؤسس الجماعة ومرشدها الأول. وهو جزء كان فيه الكثير من خيال المؤلف حيث لم تكن المعلومات متاحة بالشكل الذي يتاح أمام المؤلف في الجزء الثاني.. ومع ذلك غضب البعض. الا أن الجزء الثاني شيء مختلف.. فهو أقرب الينا من حيث التاريخ.. والمراجع التي اعتمد عليها المؤلف والمدقق حمادة حسني كثيرة.. وقد حرصوا علي ذكرها في تترات كل حلقة رغم اختلاف أهواء كتابها. الحلقات تتحدث عن الجماعة بعد اغتيال مرشدها وحلها علي يد النقراشي الذي سبق أن تم اغتياله من الجماعة.. وتتحدث عن صراعها مع الملك وحكومة ابراهيم عبد الهادي الذي خلف النقراشي وحكومة حسين سري ثم النحاس حتي قيام حركة الضباط في يوليو 1952 وما بعدها. علاقة عبد الناصر بالاخوان هي الأكثر جدلا في الجزء الثاني حتي الآن.. وكونه كان عضوا بالجماعة.. أي أقسم أمام المرشد بالسمع والطاعة.. وله اسم حركي هو »زغلول» جعل محبي عبد الناصر يغضبون.. ويخرج أقرب الناس الي عبد الناصر ومدير مكتبه حتي وفاته.. وهو السيد سامي شرف ليقول إن المؤلف غالط التاريخ ولم يتحر الدقة.. وخلط بين تعامل الزعيم الراحل مع قيادات الجماعة خاصة خلال مقاومة الفدائيين ومعظمهم من شباب الجماعة وبين انتمائه للجماعة.. وقال »شرف» إن المسلسل تضمن وقائع غير صحيحة، لا تستند إلي دليل واقعي أو مراجع حقيقية، وإن وحيد حامد، مؤلف المسلسل، استند إلي مذكرات خصوم الرئيس الراحل أثناء وجوده في مجلس قيادة الثورة، أو توليه الرئاسة، في الوقت الذي نفي فيه »عبدالناصر»، في أكثر من حديث، انتماءه إلي الإخوان في أي مرحلة من مراحل عمره. وقال إن مؤلف المسلسل تحدث عن اللجوء إلي مذكرات، وهي لا تعتبر مراجع يمكن الاستناد إليها، لأنها رأي شخص له حساباته وميوله وخصومه، ده لو كده كل واحد كتب كلمتين نرجع له بقي.. ومراجع وحيد كاذبة.. وأضاف أن المراجع التي لجأ إليها وحيد حامد تعبر عن تيار واتجاه واحد، وعبارة عن أحاديث تليفزيونية لعدد من خصوم عبدالناصر». ووصف »شرف» المسلسل بأنه تشويه لتاريخ واضح للجميع، وأن مؤلف المسلسل »استسهل»، علي حد تعبيره.. ووجه حديثه لوحيد حامد بأن التعامل مع الجماعة شيء والانتماء شيء آخر، وهناك فرق شاسع ويبدو أن هناك التباسا لدي مؤلف (الجماعة) في هذا الأمر. موقف غاضب آخر لحزب الوفد.. بعد ظهور زعيم الحزب مصطفي النحاس في مشهد يقبل فيه يد الملك فاروق.. وهو تصرف كان يفعله كل الباشوات في ذلك العصر.. ولكن محبي النحاس أنكروا تلك الواقعة وأنها لم تحدث.. وتحمل اهانة لزعيم الأمة.. وهو ما رد عليه المؤلف بأنها واقعة حقيقية أكدتها المراجع التي اعتمد عليها.. وأنها لا تمثل أية اهانة. الرئيس الراحل أنور السادات أيضا ناله من الحب جانب.. وذكر أحد قيادات الجماعة أن السادات هو قائد التنظيم السري للاخوان في الجيش.. وان لم يكن أحد قد رد علي تلك المعلومة الا أنني أتوقع ردا أكيدا من محبي السادات. بذل وحيد حامد جهدا كبيرا في المسلسل.. وكان أداء كل الفنانين الذين أدوا شخصيات المسلسل علي مستوي رفيع.. والقائمة طويلة ويستحقون جميعا درجة امتياز.. الاخراج والاضاءة والملابس والموسيقي وكل فناني العمل تجعل منه مسلسلا جديرا بالمتابعة. المهمة الصعبة الأسبوع الماضي صدرت حركة جديدة لرؤساء مجالس الادارة ورؤساء تحرير الصحف القومية.. مبروك لكل من شملته الحركة.. وأخص بالذكر أصدقائي وزملائي رؤساء مجالس الادارة.. الأساتذة ياسر رزق (أخبار اليوم)، عبد المحسن سلامة (الأهرام)، علي حسن (وكالة أنباء الشرق الأوسط)، سعيد عبده (دار المعارف)، مجدي سبلة (دار الهلال)، عبد الصادق الشوربجي (روز اليوسف).. ورؤساء التحرير الأساتذة خالد ميري (الأخبار)، وعلاء ثابت (الأهرام)، ومحمد عبد الحافظ (آخر ساعة)، وعمرو الخياط (أخبار اليوم)، وجمال حسين (المسائي)، وشريف خفاجي (السيارات)، وممدوح الصغير (الحوادث)، وأيمن بدرة (الرياضة)، وطارق الطاهر (الأدب)، وهويدا حافظ (فارس)، وعلاء عبد الهادي (كتاب اليوم).. ومحمد شبانة وخالد فؤاد وعزت ابراهيم وكل الشكر والتقدير للزملاء الذين أدوا دورهم بامتياز وكفاءة.. الأساتذة السيد النجار ومحمد عبد الهادي علام وعلاء حيدر وفهمي عنبة وعلاء عبد الوهاب وغالي محمد. مهمة انقاذ الصحف القومية أو المملوكة للدولة مما تعانيه من مشاكل بالتأكيد مهمة صعبة.. وتحتاج إلي جهد يفوق قدرات أي زميل تم أو كان من الممكن اختياره.. هي مشاكل تراكمت علي مدي عقود تتجاوز الثلاثين عاما.. ربما تعود إلي وقت تأميم تلك الصحف.. ولكنها ظهرت بوضوح خلال الأعوام العشرة الماضية.. عندما تضخمت أعداد العاملين بتلك المؤسسات سواء من الصحفيين أو الاداريين أو العمال.. وزادت أكثر وأكثر بعد توقف دعم الدولة لها وانخفاض حصيلة الاعلانات.. وتراكم الديون خاصة تلك المستحقة لأجهزة الدولة المختلفة.. وزاد الأمر سوءا مع انخفاض التوزيع بشكل واضح مع انتشار الاعتماد علي الصحافة الالكترونية بالنسبة إلي أجيال من القراء الذين كانت الصحف الورقية تعتمد عليهم.. يعني انخفض الدخل وقلت الاعلانات التي توجهت إلي وسائل نشر أخري.. وهبط التوزيع بنسبة كبيرة للصحف.. وتكاد المجلات تستقبل من المرتجعات أكثر مما تبيع. اصلاح الموقف المالي للصحف القومية أشبه بالاصلاح المالي لجهاز الاعلام التليفزيوني الرسمي في ماسبيرو.. وهنا لابد من تدخل واضح وقوي من الدولة لانقاذ تلك المؤسسات باسقاط ديونها المتراكمة علي أساس أنها جزء من الدولة وأدت دورا مهما في دعم الدولة وتقديم خدمة اعلامية للمواطنين في وقت لم يكن هناك من يقدمها غيرها. ولم يكن دورها في حماية الوطن وتنوير الشعب وحماية النظام يقل عن الأجهزة المهمة كالجيش والشرطة والقضاء. ومن ناحية أخري فإن علي تلك المؤسسات أن تعمل علي تطوير أدائها واستحداث وسائل لتنمية مواردها وتقليل نفقاتها.. بذل الزميل العزيز ياسر رزق رئيس مجلس ادارة أخبار اليوم جهدا كبيرا خلال السنوات الثلاث الماضية لتحقيق هذا الهدف وأدعو الله له بالتوفيق خلال الأعوام القادمة لتحقيق ما يحلم به.. وأدعو الله بالتوفيق للزملاء الجدد كل في موقعه من أجل انقاذ ما تبقي من مؤسساتهم واصداراتها الصحفية.. المهمة صعبة ولكنها ليست مستحيلة.. كان الله في عونهم. زيطة.. في الأزاريطة حي الازاريطة واحد من أشهر وأرقي أحياء مدينة الإسكندرية لأسباب عدة أهمها موقعه الجغرافي المتميز والذي يقع في منتصف المدينة.. وهو من أقدمها أيضا.. وتظهر علي مبانيه فنون البناء الروماني واليوناني القديم الذي يجعل منه تحفا معمارية أشبه بما نراه في باريس وروما والقاهرة الخديوية. شهد الحي الشهير منذ العصرين اليوناني والروماني نهضة عمرانية كبيرة.. وكان يسكن به الملوك والأمراء وكبار القوم.. وكان يسمي حي »سوتر» وهو الاسم الأول لبطليموس الأول مؤسس الدولة البطلمية في مصر.. وفيه كانت مكتبة الاسكندرية القديمة.. والحالية أيضا.. وكان ومازال مركزا عالميا للثقافة في أعرق المدن في العالم وأكثرها جمالا. قرر محمد علي اعادة بناء المدينة التي تهدم أغلب مبانيها في حروب الحملات الفرنسية والانجليزية.. وتصادف ذلك مع انتشار وباء الكوليرا في مصر.. فقرر انشاء أول حجر صحي بالمنطقة المجاورة للميناء الشرقي الذي ترسو فيه السفن القادمة من أوروبا.. وأطلق عليه اسم لازاريت نسبة الي أشهر حجر صحي في أوروبا.. ومنه أطلق الاسم علي الحي كله. حي الأزاريطة الجميل لم يعد كما كان.. زحف اليه وباء أشد فتكا من الكوليرا.. انه وباء الفساد الذي انتشر في كل أرجاء المحروسة المفسودة.. ومثله مثل معظم أحياء مدينة الاسكندرية المارية بترابها الزعفران.. تحول إلي رمز من رموز فساد المحليات بذممها الخربانة.. وفساد ضمائر أصحاب الأراضي والبنايات.. وفساد النفوس والأذواق حتي ظهر هذا المشهد العجيب الذي شهدناه منذ أيام. كنا نقرأ بصورة شبه أسبوعية عن انهيار عقار بالاسكندرية من غربها الي شرقها.. اعتدنا علي هذا الأمر الي درجة أنه لم يعد يزعج أحدا.. ولكن الصورة الأخيرة التي شاهدها العالم كله لاحدي عجائب الدنيا الجديدة كانت هي الأعلي مشاهدة في العالم كله. برج الأزاريطة المائل أصبح ينافس برج بيزا المائل.. الفارق هو أن الطلاينة استطاعوا استغلال برجهم في جذب السياح وتحقيق المليارات.. بينما لم نستطع نحن ذلك.. مع أن برجنا أعجب ألف مرة. ولابد أن نتساءل.. ما عقاب المسئولين عن تلك الكارثة.. الأرواح التي أزهقت والأسر التي شردت.. هل ستنام القضية كما نامت آلاف القضايا من قبل؟ هل سنكتفي بعقاب صاحب العمارة والمقاول ونترك مسئولي الحي والمحافظة؟ الضمير غائب عند الجميع.. والمسئولية مشتركة عند الجميع.. ولا يكفي أن يخرج مسئول الحي من درج مكتبة قرار ازالة للمبني صدر منذ خمسة عشر عاما ويعتبر نفسه خارج المسئولية.. العقاب الرادع لمسئول الحي قبل مسئولي البرج المنكوب هو الحل العادل ضد أناس بلا ضمائر قتلت أناسا لا ذنب لهم. المطلوب هو العقاب الرادع والسريع.. وألا يقف الأمر عند مجرد حادثة.. أو زيطة في الأزاريطة.