لعلنا اليوم أكثر حاجة لمد البصر لما هو أبعد من اللحظة الملتبسة المعاشة بكل تداخلاتها وغليانها، حتي لا تستغرقنا وتتحول إلي لحظة انقضاض علي الثورة بفعل قوي انهارت تحت وطأتها وأخري متنمرة تحسبها مواتية للحلول محل تلك المنهارة. وما اظنهما مختلفين فالقوي الفاشية التي تمثلت في النظام السابق هي التي احتضنت القوي الرجعية المتطرفة الراديكالية السلفية لتروع بها الوطن، ولنا معهما قراءة أخري. أما اليوم فلابد أن نستبصر كيفية صيرورة مصر وطنا لكل المصريين كما كانت حين حاولت التفاعل في بواكير القرن المنصرم مع المد الحضاري العالمي والذي تشكل في خيار الدولة المدنية الديمقراطية، ومازالت تفاعلاتها تتأرجح بين النجاح والانتكاسة، لكنها لم تتوقف ولم تمت .. وفي النظم الديمقراطية تعد الانتخابات أحد أهم آليات تحقق حكم الشعب لنفسه وبنفسه، وفي الفضاء العام يكون الحديث منصباً علي نوعين من الإنتخابات؛ الرئاسية والبرلمانية. وعندما نرصد واقعنا المصري نكتشف أن خبراتنا الإنتخابية مبتسرة ومشوشة في غالب الأحيان، اتساقاً مع غياب الإرادة السياسية لتحقيق ديمقراطية حقيقية ومعاشة علي الأرض، الأمر الذي انسحب علي الممارسات المختلفة فيها وانتج واقعاً هشاً تدعم بكل انواع التأثير السلبي من كافة أطراف اللعبة الإنتخابية. ويعد تدخل »الإدارة« في ترتيب وسير الانتخابات أحد أهم سلبيات العملية الإنتخابية سواء قبل 52 أو بعدها وإن تفاوتت درجات وقدر التدخل. الأمر الذي جعل منها مهزلة القت بظلالها علي العلاقات السياسية داخل المنظومة الحياتية، وأطلق يد الحاكم إلي أن وصلنا لنسق الحكم الديكتاتوري بكل تبعاته وتداعياته، والتي خلفت انهياراً في كل مناحي الحياة اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً. كانت السمة الرئيسية للنظام السابق التمسك بالشكل الديمقراطي والإنتخابات أحد أهم مظاهره دون المضمون، إتساقاً مع إرادة الحاكم »الشخص والمنظومة« في الإنفراد بالحكم وعليه تم استبعاد كافة القوي المعارضة بشكل متصاعد وصل إلي ذروته في انتخابات البرلمانية 2010 باسقاط كل القوي المعارضة بشكل فج كان بمثابة القشة التي قسمت ظهر البعير، وكانت الشرارة التي فجرت بركان غضب الشارع بثورة 25 يناير. والراصد لواقع التجارب الإنتخابية عبر العقود الخمسة الأخيرة يمكنه أن يجمل أهم السلبيات التي تكتنفها في : تدخل »الإدارة« في ترتيب وسير العملية الإنتخابية من القيد في الجداول الإنتخابية وحتي إعلان النتائج. عدم مراجعة وتنقية الجداول الإنتخابية . شيوع أعمال البلطجة داخل وخارج المقار الإنتخابية لحساب قوي بعينها تكون في الغالب الحزب الحاكم أو من يأتمر بأمره.. ودخول المال كسلاح في توجيه ارادة الناخبين.. واستخدام الدين في التأثير علي توجه الناخبين.. وهي عوامل يمكن معالجتها في نقاط محددة : تقنين الانتخاب بالرقم القومي مع وضع منظومة تقنية متكاملة تضمن عدم إخضاعها لهوي الحزب الحاكم، وعلي رأس هذه المنظومة الميكنة وفق نظام آلي محكم. نقل تبعية الإنتخابات من وزارة الداخلية إلي كيان مستقل يضم ممثلين للقوي الوطنية لها من الصلاحيات والنفوذ ما يمنحها ادارة العملية الانتخابية بعيداً عن سيطرة الحاكم أو اية تيارات أو قوي سياسية بعينها. الإنتقال من نظام الإنتخاب الفردي إلي نظام الإنتخاب بالقائمة النسبية غير المشروطة.. وتجريم استخدام الدين في التأثير علي الناخبين وفي الدعاية الإنتخابية وفي حشد الشارع سياسياً علي خلفية دينية لصالح فئة أو جهة أو تيار بعينه.. وفك الوصاية الحكومية علي الإعلام الرسمي ونقل تبعيته إلي هيئة تماثل هيئة الإذاعة البريطانية، حتي نضمن توفر عدالة في توصيل البرامج المختلفة للشارع، فيأتي الإختيار مبنيا علي البرامج الحزبية المختلفة. إنشاء هيئة حقوقية من منظمات المجتمع المدني لمراقبة الانتخابات وفق ضوابط حقيقية وصلاحيات حقيقية. مراجعة الضوابط الحاكمة لسقف الدعاية الإنتخابية مالياً، وتنظيم تبرعات الأفراد والهيئات لدعم الأحزاب سواء فيما يتعلق بالانتخابات أو نشر افكارها. إعادة النظر في شروط قيام وتأسيس الأحزاب بحيث يتمكن الشباب من المشاركة الفاعلة في الحياة السياسية.. ومراجعة آليات الإعلام والتعليم والثقافة لنشر قيم الديمقراطية الصحيحة لتكوين رأي عام يستشعر أهمية الحرص علي تفعيل الحق الانتخابي ترشحاً واختياراً.