لابد لنا من وقفة ونحن نجري في مضمار ماراثون الثورة، فالتقاط الأنفاس ضرورة لإستكمال السباق باتجاه بناء »مصر جديدة« حتي لا تتقطع بنا السبل ونخرج بعيداً عن السياق الصحيح. وحتي لا تستغرقنا شهوة الانتقام ونستسلم لهدير الشعبوية الغاضبة والتي تفتقر للموضوعية في ظل وجود متربصين يسعون بدأب للانقضاض علي الثورة واقتناصها وتحويل مسارها ربما إلي درجة الارتداد والعودة بها إلي ما قبلها. ثمة مشاهد لابد أن نتوقف أمامها بعيداً عن إبهار الشكل الظاهر منها مطالبات عقد محاكمات ثورية للقصاص من رموز النظام السابق، ومن عجب أن يتبناها ويدعمها رموز قضائية تحولت إلي نجوم إعلامية، هي في حقيقتها دعوة لتقويض سيادة القانون واستبداله بالإنطباعية التي تغازل العامة وتدغدغ مشاعره الملتهبة، وهم بهذا يعيدون انتاج انساق تبنتها انقلابات المنطقة في الخمسينيات والستينيات من القرن المنصرم وتحولت إلي آلية لتصفية الحسابات ومازالت تلك الأنظمة تمارس قمعها وديكتاتوريتها علي شعوبها، وهي لا تقل خطورة عن إعلاء العرف علي القانون، ويجب مواجهة هذه الدعوات العبثية التي تشكك في منظومة القضاء الطبيعي وكفايتها لتحقيق العدالة وإعادة الاعتبار لسيادة القانون. ومن تلك المشاهد موجات التشكيك في العلاقة بين الشعب والجيش بدءاً من الكلام عنهما باعتبارهما كيانين منفصلين بينما هما كيان واحد، فالجيش المصري له خصوصية تميزه وتاريخه يسبقه كدرع واقية وحام لأمن وسلامة الوطن ووحدة أراضيه، حتي وصل الأمر عند البعض لتجريم مناقشة ودعم قرارات المجلس الأعلي للقوات المسلحة وصولاً لما هو أفضل، ووصم البعض هذه المناقشة والتحليل بالتشكيك في قدرته علي الخروج بنا إلي اعتاب الدولة المدنية الديمقراطية، وهذا البعض يؤسس لإعادة انتاج نموذج معادل للحاكم الإله، بينما تأتي تصريحات قيادات المجلس لتدحض هذا الزعم في حواراتهم علي الفضائيات المصرية، ولعل ابرز تلك الحوارات العميقة الحوار الذي بثته قناة »أون تي في« والذي أجراه الأستاذ يسري فودة مع كل من اللواء عتمان واللواء العصار الاثنين 11 / 4 / 2011 وفيه كنا أمام طرح صريح لكل ما يقلق الشارع والناس، بغير انفعال أو افتعال أو استعلاء أو مداهنة، وجاءت الإجابات واضحة ودقيقة ولا ينقصها الصراحة، وتأكد فيه تصميم القيادات العسكرية علي الانتقال إلي حكم مدني كامل مؤسس علي الدستور والقانون، يتأكد فيه نسق الديمقراطية وسيادة القانون والعدالة، وأنهم ليسوا طلاب سلطة ولن يكونوا تكراراً لتجارب سابقة. وأن لديهم من الثقة ما يجعلهم يتعاملون مع النقد الموضوعي بغير تبرم أو اندفاع مدركين أن العمل في مربع ادارة شئون الوطن في هذه اللحظة التاريخية لها حسابات دقيقة مع شعب له عراقة وحضارة ورقي الشعب المصري. ولم يبتعد عن المشهد من انهارت مصالحهم التي اغتصبوها في حماية النظام السابق، وجاء الانهيار مع سقوط النظام، فلجأوا إلي بث سيل من الشائعات التي تروج لعودة النظام السابق، واستعانوا بحسب خبراتهم السابقة إلي تجييش البلطجية لترويع الشارع حتي تصل رسالتهم بأن الناس كانوا أأمن قبل ثورة 25 يناير، وصعدوا شائعاتهم إلي زعم وجود اتفاق ما بين القيادات العسكرية والرئيس السابق يقضي بحمايته من المثول أمام العدالة، رغم أن النائب العام أودع جل رموز النظام السجون علي ذمة التحقيقات، واستدعي الرئيس السابق وأسرته، ورغم تأكيد المجلس عدم وجود من هو فوق القانون. هذه المشاهد وغيرها تفرض علينا تحركاً علي نحو مختلف، يبدأ بتطوير التواصل بين المجلس العسكري والشارع، ليتجاوز البيانات الصحفية التي تنشر علي موقعه الرسمي، فيصبح برنامجاً حوارياً اسبوعا يدار فيه حوارات مع الشباب في المستجدات والاشكاليات التي يعانون منها، بنفس الوتيرة التي نشاهدها في البرامج الحوارية التي أشرنا الي إحداها قبلاً، بنفس قدر المصارحة والشفافية. نحن بحاجة إلي تضييق الفجوة بين المطالب المتسارعة من شارع رفعت عنه بشكل مباغت يد الضغوط المتراكمة والكبت السياسي والأمني وبين الاستجابات المتأنية بحيث يلمس الشارع وقع هذه الاستجابات. في ظني أنه قد آن أوان إعادة الاعتبار لدولة القانون والنظام واللذين بدونهما لا تتحقق الدولة المدنية، فنقدم الوطن لقمة سائغة للقوي الظلامية المتحفزة ضد مدنية الدولة.