دول عديدة تعاني من أزمات حادة تهدد اقتصاداتها بالإفلاس، ومن ثم الانهيار.. النظام الاقتصادي العالمي يعاني من اختلالات شديدة تحتاج إلي إعادة توجيه المسار علي نحو جذري.. وربما كان القاسم المشترك فيما يحدث، وتواجه تبعاته دول بعضها شديد الثراء، وأخري تقبع في القاع، فضلا عن الأزمة العامة التي تهدد رياحها الاقتصاد العالمي بأزمات جديدة، قد تكون أكثر قسوة من تلك التي هبت وكأنها تسونامي في العام 8002، ومازالت توابعها تتوالي! المشترك في كل ما يحدث هو النقود! سواء كانت النظرة إليها باعتبارها مقياسا للقيمة، أو وسيطا لتبادل السلع فانها باتت في مهب الريح، ومن ثم فإن علي البشر الاجتهاد في البحث عن اشكال جديدة للنقود، وليس في وظائفها الأساسية. وإلي حد بعيد، فإن اغنياء العالم، أو بدقة الدول الأكثر ثراء ورفاهية، وفي المقدمة بالطبع الولاياتالمتحدة، تقف وراء المأزق الذي يواجهه العالم، لكن علي الجميع أن يغض النظر عن نسبية المسئولية، والبحث عن مخرج يجنبنا لحظة مأساوية يصعب التنبؤ بما تقود إليه! فمثلا: وحتي نقترب من الحجم الحقيقي للخطر، يكفي الاشارة إلي أن الدولة التي مازالت تتربع علي عرش العالم اقتصاديا وسياسيا وعسكريا، أي أمريكا، هي الأكثر مديونية في العالم!.. ثم أن عملتها، أي الدولار، مازالت هي التي تتحكم في مقدرات الاقتصاد العالمي، بل والتعاملات بين الدول، ورغم ذلك فإن حكومتها كادت تعجز عن توفير مرتبات العاملين بها! ولعل أحد مظاهر الخطر تتمثل في أنه إلي جانب خلو الخزانة الأمريكية من النقود الحقيقية، فإن البديل المتوافر ليس إلا نقودا وهمية، مثل المشتقات والمستقبليات، وهي بشكل أو بآخر مجرد ديون أو قروض، أي انها في الحقيقة »لا نقود«! أما علي مستوي الاقتصاد العالمي، فإن للأمر انعكاساته شديدة الوطأة، إذ تفضل أمريكا الاستدانة حتي تعوض عجز إيراداتها أمام نفقاتها، لكن المشترين التقليديين لسنداتها بدأوا يديرون ظهورهم للدولة الأكثر مديونية، بما يعني اهتزاز الثقة، وارتفاع سقف المخاوف، وهي مؤشرات لتجمع سحب أزمة مالية عالمية جديدة! هل يكون المخرج علي الصعيد الدولي البحث من جديد عن عملة عالمية بديلا للدولار الذي يجر الجميع نحو الهاوية؟ المسألة ليست علي هذا النحو من البساطة، في ظل التشابكات الواسعة والعميقة للاقتصادات العالمية، وارتباطها الشديد بالدولار والاقتصاد الأمريكي المهيمن والمتداخل علي التعاملات علي المستوي الدولي! هل بات الأمر اقرب إلي القدر الداهم الذي يصعب تفاديه؟ بالقطع: لا، ولكن.. أصبح علي البشرية ان تجتهد بجدية وبصورة أسرع للخروج من أسر الدولار، والبحث عن بديل للعملة الخضراء، أي عملة عالمية جديدة تكون قادرة علي انقاذ النظام النقدي العالمي من الوقوع في أزمات، هي في حقيقتها صدي لما يعانيه الاقتصاد الأمريكي، وعملته التي ماتزال تجمع بين وضعيتها المزدوجة والفريدة كعملة وطنية، وعملة عالمية في آن واحد! وقد يكون هذا التوجه الدولي، بقدر ما يمثل قارب نجاة للاقتصادات العالمية، فإنه قد يكون دافعا ومحفزا لصانع القرار الأمريكي علي إعادة صياغة العديد مما بات ثوابت لاقتصاده، تعد انتاج الأزمات بأكثر مما توفر الحلول وامكانية الانقاذ علي المستوي الوطني- بالأساس- ثم تمتد ظلالها لتغطي سماء المعمورة!