علام: الاحتياط واجب.. واصل: ليس مسئولية الفقيه.. والجندي: الكلمة للقانون أثار تصريح القائم بأعمال رئيس جامعة الأزهر حول »ردة اسلام بحيري» جدلا واسعا، لم ينته باعفاء د. أحمد حسني من منصبه، رغم اعترافه بالخطأ واعتذاره.. حيث فتح التصريح التليفزيوني باب السؤال عن ضوابط الحكم بارتداد المسلم.. استطلعت »الأخبار» رأي علماء الدين فأكدوا أن الاسلام وضع شروطا صارمة لذلك، لا تتحقق إلا بصعوبة بالغة، كما أن الأمر في النهاية متروك لحكم القاضي لا للاجتهادات الشخصية. التسرع بالحكم في البداية يؤكد د. شوقي علام مفتي الجمهورية أن علماء أهل السُنة اتفقوا علي أن من أظهر شعار الإسلام فهو مسلم ولا يجوز البحث عن باطنه ولا اتهامه بالكفر من غير موجب ظاهر، ولا التسرع بالحكم بالكفر علي أحد من المسلمين إلا لمن أظهر كفراً بما فيه من الله برهان. وقال: لا يجوز كذلك التكفير بالشبهة بل من عنده شبهة وجب أن يحاور ويناقش لتزول شبهته، فإن أصر علي ذلك بعد البيان والتعريف من قبل العلماء المختصين فعندئذ يرفع أمره للقاضي فهو المكلف بإصدار حكم التكفير أو الردة بعد التأكد من انتفاء جميع الموانع، وليس لأحد من الناس التجرؤ بإصدار أحكام الكفر لما في ذلك من استهانة بالشرع وتجرؤ علي استحلال الدماء، ولذلك يقول الإمام المليباري: »تنبيه: ينبغي للمفتي أن يحتاط في التكفير ما أمكنه لعظم خطره وغلبة عدم قصده، سيما من العوام، وما زال أئمتنا علي ذلك قديماً وحديثاً»، وقال الإمام الدمياطي: »وليحذر ممن يبادر إلي التكفير في هذه المسائل... فيخاف عليه أن يكفر؛ لأنه كفر مسلما». وشدد د. علام علي أن تكفير المسلم من أكبر الكبائر، فلا يجوز أن يتم تكفير مسلم يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله إلا إذا ثبت جحوده لأمر معلوم من الدين بالضرورة، ولم يكن له شبهة، وأصر علي جحوده، مع علمه وقصده، ومن الواجب علي المسلم أن يحسن الظن بالمسلمين، فلا يحكم بكفر أحد منهم، لأن الأصل فيهم الإسلام. قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: (وَمَنْ دَعَا رَجُلًا بِالْكُفْرِ، أَوْ قَالَ: عَدُوُّ اللهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إِلَّا حَارَ عَلَيْهِ -أي عاد عليه-». وقام الإمام النووي بشرح الحديث قائلا: »والتحقيق أن الحديث سيق لزجر المسلم عن أن يقول ذلك لأخيه المسلم وذلك قبل وجود فرقة الخوارج وغيرهم»..وقال ابن دقيق العيد: »وهذا وعيد عظيم لمن كفَّر أحداً من المسلمين».. كما أكد الشيخ الغزالي رحمه الله تعالي: »الخطأ في ترك ألف كافر في الحياة أهون من الخطأ في سفك محجمة من دم مسلم»، وينتهي المفتي إلي نتيجة: »لذا فإن من أصول عقيدة المسلمين أنهم لا يكفرون أحدا من المسلمين بذنب، ولو كان من كبائر الذنوب». ويواصل: علي الرغم من أن قضية إنزال حكم الكفر خاصة بالقضاة إلا أن العلماء لم يفتهم أن ينبهوا علي الاحتياط في هذا الشأن؛ لذلك تضافرت أدلة الشرع الشريف علي وجوب الاحتياط في تكفير المسلم استنادا لقوله تعالي: »ولا تقولوا لمن ألقي إليكم السلام لست مؤمنا»، وهو تحذير من التسرع في التكفير، واستحضر المفتي براهين اخري من القرآن والسُنة تدعم ذلك قبل أن يقول إن العلماء أكدوا أنه إذا كان في المسألة وجوه توجب التكفير ووجه واحد يمنعه فعلي المفتي أن يميل إلي الوجه الذي يمنع التكفير تحسينا للظن بالمسلم. وأضاف أن الحكم علي أحد من المسلمين بالكفر والردة، لا يكون إلا بشروط لا تتحقق إلا بصعوبة بالغة، ولا تنطبق إلا علي أشخاص قلائل، ولا يكون التكفير إلا لدي هيئات معتبرة شرعاً، وهي القاضي وله أعوانه الذين يتحققون مما ينسب إلي الشخص، ويتأكدون من تحقق شروط الحكم وانتفاء موانعه، ويغلبون عدم التكفير في الحكم، ويسلكون في سبيل عدم التكفير كل السبل. دلائل وأسانيد بدوره أكد د. نصر فريد واصل مفتي الجمهورية الأسبق أن الحكم علي شخص بالردة أمر قضائي بحت لا يصدره الا القاضي بناء علي دلائل وأسانيد قوية، وأضاف: لو ان الانسان الذي يفعل او يقول ما يثبت انه مرتد بنسبة 99.9% وتوجد نسبة 0.1 % يحتمل عدم الرده فلا يمكن الحكم عليه بالردة. وأشار إلي أن عالم الدين أو الفقيه مهما كان مركزه أو منصبه لا يستطيع الحكم علي شخص بالارتداد عن الدين مهما ارتكب من أفعال وأقوال ولكن يمكنه تحريك دعوي قضائية تتهمه بالردة ويحكم فيها القاضي بصفة نهائية. وأوضح أن سب الدين كبيرة من الكبائر ولكن لا يمكن الحكم علي من يرتكبه بالردة او الكفر الا بعد معرفة طبيعة السب ونية الشخص وقت التلفظ بالسب وقد يصل صاحب سب الدين إلي الردة أحيانا. وتابع المفتي الأسبق: الردة هي إنكار المعلوم من الدين بالضرورة كنكران وجود الله والجنة والنار والحساب والبعث والصلاة والأنبياء، أما سب الصحابة فيندرج تحت ازدراء الاديان وليس الردة.. وأوضح أن المسائل الخلافية التي تحتاج الي اجتهاد العلماء وتختلف فيها الآراء لا علاقة لها بالردة عن الدين. وأكد الداعية د. خالد الجندي أن الحكم بالتكفير لا يملكه إلا القانون والقضاء، لأن هذه المسألة تحتاج إلي ضوابط لا يملكها آحاد الناس، وأضاف أن القضاء العادل يعرض الأمر علي العلماء والجهات المنوط بها الفتوي في هذه الأمور الخطيرة، ونحن نحكم علي الفكر لا المُفكر وعلي العقيدة لا المُعتقِد وعلي القول لا القائل، وأشار إلي أن العقيدة الأزهرية الأشعرية عقيدة أهل السنة والجماعة لا تسمح إطلاقًا بتكفير أحد حتي ولو خالف صريح الكتاب والسنة أو أتي بأفعالٍ تُخالفُ ما عليه عموم المسلمين، لأن هذا ليس من حق أحدٍ من البشر كائنًا من كان. وأوضح الجندي أن الحُكم يكون للقانون فقط، والتنفيذ أيضًا له وحده فقط، وأكد أن الكثيرين يفهمون خطأ آية: »وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم» ويظنون أن المقصود هو الحاكم أو الوزير أو السلطان؛ وإنما الصوابُ أن ولي الأمر هو القانون الذي يحكم الجميع وتوافَق عليه عموم الناس، ولذلك فالفعل نفسه كفر، أما الفاعل فأمره موكول إلي الله ويقع تحت طائلة القانون الذي يُعاقبه بما شاء من عقوبات، وهناك فارق بين الفعل والفاعل ويجب علي العلماء الحكم علي الفعل وليس الفاعل، لأن الفاعل قد يكون جاهلا أو مُكرهًا أو مجنونًا أو سكرانًا أو واهمًا أو مدهوشًا، وكلها عوارض تنفي المسئولية عن فاعلها، وقد انتبه الفقهاء إلي ذلك بعدم إيقاع لفظ الطلاق من هؤلاء. ويؤكد أن موقف شيخ الأزهر كان ضروريا ولابد منه، رغم شجاعة رئيس جامعة الأزهر بالاعتراف بالخطأ والاعتذار عنه، إلا أنه كان لزامًا اتخاذ هذا القرار حتي لا يتحمل الأزهر أخطاء بعض أفراده. وأضاف أنه في مسألة سب الصحابة فقد أجمع علماء الأمة علي عدم تكفير من يُكفر أحدًا من الصحابة، ولكن يُحكم بفسقه، ويُحد في الشريعة حدّ القذف؛ ولكن التكفير لا يُقاوم بالتكفير وإنما يُقاوم بالتنبيه والتحذير. ردة داخلية من جهته أوضح د.مبروك عطية عميد كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات جامعة الأزهر بسوهاج أن الارتداد سمي ارتدادا لأنه عودة للكفر بعد الإيمان ولا ينبغي لأحد أن يسخر من أحد سخرية واضحة أو يتهمه في دينه، لأن العلماء قد عرفوا الردة بأنها نوعان إما ان تكون ظاهرة وهي بأن يترك المرء صلاته وصومه وأركان الاسلام أمام الجميع دون ان يعبأ بأحد وهذا يجب أن يقاتل، وهناك ردة داخلية وهي بأن يكون الشخص يعمل بينه وبين نفسه دون ان يشعر أحد به ولا يجهر بهذه الردة علي الملأ وهذا لا سلطان لأحد عليه، وما ينبغي لأحد ان يبحث في ذلك، وقد جعل الله الولاية عامة في أمور معينة، أما الأمور التي يترتب عليها إراقة الدماء أو هوية المؤمن أو الردة أو مثل ذلك فلا حكم فيها لأحد غير القضاء.