ما يحدث الان في مصر جلل »الي آخر المعاني العظيمة، تسوق فيه الاحداث ما يجعل القلوب تخفق والجلود تقشعر والابدان تذوب والعقول تذهل، وكم ساءلت نفسي لماذا تقود الثورة المصرية الان العالم العربي الي فضاء جديد والي تقاليد جديدة من الاماني القديمة بأروع ما يمكن ان يبدعه الشعور الانساني في هذه الاونة التاريخية العميقة. فمصر تعيد نسج الثوب المرتق المهلهل الذي تآكل بفعل القوارض البشرية التي حكمت بمنطق الاستبداد والفرعونية فترهل المجتمع وخربت المؤسسات واتخذت الاخلاق مكانا قصيا بعيدا عن اهلها.. واصبح الشعب يصارع بعضه البعض وكأن ولي الأمر غائب وليس هناك من يدير شئون البلاد وعلي كل امريء ان يأخذ لنفسه الحق بيده اذا استطاع او بأي وسيلة يراها تناسبه.. ولعلي اقترب من حافة هذا الجلال المهيب، ألمسه وأودعه بعض شجوني حين فوت كيانه المتعافي الاغر فرصة اركاس الثورة واطفاء غضبها ببعض المياه الراكدة التي طالما استخدمت في هذا ونجحت بفعلتها فأغرت بنا الحاكم المستبد واعوانه من هامانات العصر الذين لم نشهد لهم في الصلف مثيلا وفي الغرور شبيها عبر التاريخ بأسره. لم تنجح الوسائل التقليدية المتجيفة في اخماد الثورة وازهاق غضب الشعب المصري العظيم ببضعة مغريات وشيء من فتات العطاءات السلطانية التي كانت تتوزع في شكل هبات ومنهوبات وعطايا لم تعرف لها مصر من قبل مثلا. لذلك كانت الثورة المصرية حدثا جللا، فوق اي حدث في العالم علي مدار الثلاثين عاما الماضية، والامة العربية تعرف جيدا انه اذا نامت نواطير مصر عن ثعالبها فإن نواطير الامة العربية هي الاخري تنام وتتضخم الثعالب وتستشري، كان هذا رأي بعض حكماء العرب في الفترة التي تم تجميد مصر فيها في كل المجالات التي ينبغي ان تقود مصر بها امتها العربية الي زمن جديد وتحديات جديدة.. والحجة كانت جاهزة ومعدة سلفا، فمصر عانت من امتها العربية كما يدعون ومصر وهنت بسبب اعباء امتها العربية التي تقع علي كاهلها وحدها متمثلا ذلك في حروب متتالية وصراعات تتكلف اموالا وارواحا وشغلا دائما لا يدعها لان تلتفت الي البناء والنمو والتطور مع متطلبات العصر.. وليس المقابل الذي تلاقيه من امتها العربية الا ويلا عليها ووبالا، فلقد تراجعت مصر وتخلفت عن ركب التقدم في حين انها كانت تمتلك كل مقوماته، بل بالفعل كانت هي المنارة التي تستلهم الشعوب العربية نورها، وهي الدرع الذي وقا العرب ويلات الاستعمار ومكائده واسرائيل التي زرعها في قلب الارض العربية. كانت الحجج الملغمة والمعدة باتقان اقرب الي حلوق الملايين التي تجرعتها وساغتها مرغمة ومشدودة بين الفاقات الكثيرة التي احاط بها المستبدون الطغاة مشاعرها وارهبوها بالجوع والفقر والمرض والسجون لكي تقر بوجاهة هذه الحجة وترددها بأعلي صوت وبدون نقاش. فالعرب هم سبب تخلف مصر والحروب هي التي اوصلت الشعب المصري الي حافة الهلاك، وعليه ان يختار بين السلام مع اسرائيل وبين اهله العرب الذين جلبوا له الفقر والتخلف باتباع قضاياهم والسير في ركاب »الوهم العربي« وعليهم ان ينسوا تماما الحلم العربي هذا الا في اطار عشق اسرائيل وحبها. ومن هنا كانت الثورة المصرية الكبري المستمرة حتي يومنا هذا، والتي اتوقع لها مزيدا من التوهج والتطور، كانت كاشفة باضوائها حقيقة هذه الاكذوبة الكبيرة، وجلت بمدها الشعبي والثقافي مدي فداحة الخسائر التي منيت بهامصر حين فصلها المستبدون عن امتها العربية واخذوها الي حظيرة امريكا.، عنوة وقهرا وتغييبا ولم يكن ليحدث ذلك الا بالميديا الغربية والصهيونية التي تجيد الاحتيال والمخاتلة، وترويج احط القيم في صورة براقة مغرية استغلوا فيها كل الجروح التي كانت مفتوحة في الجسد المصري والروح المصرية فنكأوها اكثر وألهبوها بالداء وليس بالدواء.. وجعلوا أعزة اهلها اذلة وشردوا شبابها الذي كان يدافع عنها بالامس علي جبهات القتال، واخرجوا علماءها وسرحوا صناعها المهرة واغلقوا الابواب حتي لا يبقي الا باب واحد هو باب امريكا وحليفتها وربيبتها اسرائيل العنصرية. أفصحت الثورة اذن عن وجود عملاء نهبوا ثروات الشعب المصري واخرجوها لتساهم في بناء اقتصاد دول اخري وتركوا شعبهم في معاناته اليومية وتفاصيل مآسية، ومعاركه التي تبدأ من صباح يومه الي ليله ولا تنتهي الا لتبدأ أشد وطأة مع صباح جديد.. لقد دفنوا في مقابر الحرية القديمة اهم وانبل المشاعر التي كانت تتأجج طلبا للتخلص من الآفات والامراض المزمنة التي لحقت بالشخصية المصرية وسجنتها في أوزار ليس لها من خلاص. لذلك جاءت الثورة عملا عظيما انشقت عنه الارض بفعل كيميائي اعظم من سحرة فرعون الذين اعادونا الي الوراء وازهقوا روح الامة الثائرة وفصلوا مصر عن تراثها الحضاري والانساني وعالمها الطبيعي الذي ينبغي ان تقوده اليوم. وهي تقوده بالفعل الي مراقي جديدة من العزة والمجد، مصر التي تحاكم سجانها اليوم وتقدمه الي محكمة عادلة هي الثورة الجديرة بان تكون أعظم وأجل من كل الصغائر التي تحاصر مدها الي امتها العربية التي تنتظر شعوبها علي كل طريق للغد وللحرية المبتغاة.