انتخابات الرئاسة في فرنسا قد تفضي إلي سيناريو غير مسبوق: خروج الحزبين التقليديين الرئيسيين من الدورة الأولي لصالح الوسط واليمين المتطرف. استطلاعات الرأي في الحملة الانتخابية التي يطبعها تردد كبير بين الناخبين، تتوقع مبارزة نهائية في 7 مايو بين إيمانويل ماكرون (39 عاما)، الوزير اليساري السابق الذي انتقل إلي الوسط مع حركته »إلي الأمام»، وزعيمة حزب الجبهة الوطنية مارين لوبن (48 عاما). ورغم اعتمادهما برنامجين متعارضين تماما، إلا أن القاسم المشترك بين المرشحين الأبرزين هو أنهما علي رأس تنظيم »لا يميني ولا يساري» لم يسبق له أن مارس السلطة. أما الحزب الاشتراكي وحزب »الجمهوريون» اليميني المتأخران في استطلاعات الرأي، فيجدان صعوبة في لم الشمل حول مرشحيهما وإقناع المواطنين الذين خابت آمالهم. وأظهر استقصاء أجراه معهد إبسوس أن 17% فقط من الفرنسيين يعتبرون أن النظام الديمقراطي يعمل بشكل جيد في فرنسا، وأن أفكارهم لها تمثيل جيد في السلطة. ويقول المؤرخ بيار روزانفالون محللا الوضع في صحيفة »لو موند» »إننا نعيش انقلابا ديمقراطيا في فرنسا وعلي مستوي العالم ايضا، يتجلي في تقدم الثقافة الشعبوية وانهيار ثقافة الأحزاب». وأظهر استقصاء »إبسوس» تزايد مشاعر الخيبة والاشمئزاز والغضب خلال الأشهر الأربعة الأخيرة بين الناخبين. ولم ينج اليسار من الشروخ الداخلية.. فالتوجهات الاقتصادية الاشتراكية الليبرالية التي اعتمدها اولاند في ولايته أثارت انقسامات عميقة، وفشله في الحد من البطالة خيب أمل شريحة واسعة من قاعدته الانتخابية التقليدية. وترك ذلك جروحا يصعب علي المرشح الاشتراكي بونوا آمون تضميدها، فضلا عن أن الجناح اليميني من الحزب يتهمه بأنه يمثل »يسارا انتقل إلي الراديكالية» مهددا بتأييد ماكرون، وهو ما فعله رئيس بلدية باريس السابق برتران دولانوي. أما زعيم اليسار الراديكالي جان لوك ميلانشون الذي رفض الدخول في أي تحالف، فيحظي بنحو 10% من نوايا الأصوات. ويصب هذا الوضع لصالح إيمانويل ماكرون الذي يبدي عزمه علي وضع حد لهيمنة »الرجال أنفسهم والأفكار ذاتها». ويقول المرشح الوسطي الليبرالي المؤيد للاتحاد الأوروبي إن »وسائلهم فشلت ببساطة»، وهو يطمح إلي »إعادة صياغة العقد الاجتماعي مع الطبقات الوسطي المنسية» من اليمين واليسار. ويري جيروم سانت ماري الخبير السياسي في معهد »بولينج فوكس» لاستطلاعات الرأي »نصل إلي نهاية نظام سياسي بدأ في الثمانينات. شهدنا علي مدي ثلاثين عاما تناوبا شبه منهجي بين اليسار واليمين في الحكم، مع تراوح الجبهة الوطنية بين 15 و17%». وتابع »إلا أن التناوب بات يبتعد سنة بعد سنة عن تغيير حقيقي، بموازاة تصاعد الاستياء حيال الأزمة الاقتصادية. بالتالي، فإن عام 2017 قد يشهد نشوء استقطاب جديد بين الليبراليين والقوميين المتمسكين بالسيادة» مع حدوث شرخ جديد »بين طبقات مندمجة في العولمة، وأخري تشعر بأنها خاسرة».