أشرت في مقالٍ الأسبوع الفائت إلي ما دفعني للكتابة في موضوع "السنة والشيعة" عقب قراءتي ليوميات نُشرت بالصفحة الأخيرة من الأخبار منذ حوالي أسبوعين. وقبل أن أستكمل ما بدأته الأسبوع الفائت، أود أن أعرّف القارئ الكريم بكلٍ من السيدين الشيخين: سليم البشري، وشرف الدين الموسوي، اللذين جرت بينهما مناظرة تضمنت 112 مراجعة، في حوار ثري دار بينهما منذ أكثر من مائة عام "1329 هجرية". الشيخ سليم البشري شيخ الجامع الأزهر مصري "مالكي" المذهب، ولد في محلة بشر بمحافظة البحيرة عام 1248 ه 1832 ميلادية، ودرس بالأزهر الشريف، ثم تولي مشيخة الأزهر مرتين، الأولي من عام 1317 ه 1900 ميلادية إلي عام 1320 ه 1904 ميلادية، والثانية من عام 1327 ه 1909 ميلادية إلي عام 1325 ه 1916 ميلادية، وفي عهده طبق نظام امتحان الراغبين في التدريس بالأزهر، وله جملة مؤلفات معظمها من الحواشي والتقارير علي كتب السلف ومن آثاره: حاشية تحفة الطلاب لشرح رسالة الآداب، وحاشية علي رسالة الشيخ علي في التوحيد، وشرح نهج البردة والاستئناس في بيان الأعلام وأسماء الأحباس، وهو بحث في النحو، وتوفي رحمه الله عام 1325 ه 1916 ميلادية. أما السيد شرف الدين الموسوي الإمام والفقيه اللبناني فقد ولد في الكاظمية بالعراق سنة 1290 هجرية من أبوين يصل نسبهما إلي الرسول صلي الله عليه وسلم، ودرس علي يد كبار العلماء في سامراء والنجف الأشرف، وبرز في الأوساط العلمية تلميذا وأستاذا، وعاد في الثانية والثلاثين من عمره إلي جبل عامل في جنوب لبنان حيث منبت أسرته، وأصبح زعيمها الكبير، وقاد التغيير الاجتماعي في البلدة، ثم تصدي لمقاومة الاستعمار والاحتلال الفرنسي في لبنان فطاردته القوات الفرنسية وأحرقت بيته ومقره بما في ذلك مكتبته الكبري، وشردت عائلته، فتنقل من لبنان إلي الشام ففلسطين ثم مصر ليلتقي فيها بكبار علمائها، وأجل زعمائها، وغادرها بعد عدة سنين، وله مناظرات علمية كثيرة ومؤلفات عديدة، وتوفي في 1377ه. وقد جرت بين الشيخين الإمامين 112 مناظرة أو مراجعة دارت حول أهم وأعقد المسائل في أصول الدين وأصول الفقه، وحول وقائع التاريخ الإسلامي خاصة في صدر الإسلام. وفي المراجعة 111 كتب الشيخ سليم البشري موجهًا حديثه للشيخ الموسوي: "أشهد أنكم في الفروع والأصول علي ما كان عليه الأئمة من آل الرسول وقد أوضحت هذا الأمر فجعلته جليا وأظهرت من مكنونه ما كان خافيا، فالشك فيه خبال والتشكيك تضليل، وقد استشففته فراقني إلي الغاية وتمخرت ريحه الطيبة فأنعشني قدسيُّ مهبها بشذاه الفياح وكنت قبل أن اتصل بك علي لبس فيكم لما كنت أسمعه من أرجاف المرجفين وإجحاف المجحفين..." ووقع الشيخ سليم البشري بالحرف الأول من اسمه "س" الذي يرمز إلي أهل السنة، ومن أهم ما جاء في الكتاب الذي نحن بصدده، وهو من تحقيق الشيخ حسين الراضي، نص الفتوي التي أصدرها الإمام العلامة الراحل الشيخ محمود شلتوت رضي الله عنه شيخ الجامع الأزهر عندما سئل عن جواز التعبد بمذهب الشيعة الإمامية أي الجعفرية الاثني عشرية وكان السؤال هو: إن بعض الناس يري أنه يجب علي المسلم لكي تقع عبادته ومعاملاته علي وجه صحيح أن يقلد أحد المذاهب الأربعة المعروفة وليس من بينها مذهب الشيعة الإمامية ولا الشيعة الزيدية، فهل توافقون علي هذا الرأي علي إطلاقه فتمنعون تقليد مذهب الشيعة الإمامية الاثني عشرية مثلا؟! وأجاب فضيلته: "1- إن الإسلام لا يوجب علي أحد من أتباعه مذهبا معينا، بل نقول إن لكل مسلم الحق في أن يقلد بادئ ذي بدء أي مذهب من المذاهب المنقولة نقلا صحيحا والمدونة أحكامها في كتبها الخاصة ولمن قلد مذهبا معينا من هذه المذاهب أن ينتقل إلي غيره ولا حرج عليه في شيء من ذلك. 2- إن مذهب الجعفرية المعروف بمذهب الشيعة الإمامية الاثني عشرية مذهب يجوز التعبد به شرعا كسائر مذاهب أهل السنة. فينبغي للمسلمين أن يعرفوا ذلك وأن يتخلصوا من العصبية بغير الحق لمذاهب معينة، فما كان دين الله وكانت شريعته بتابعة لمذهب أو مقصورة علي مذهب فالكل مجتهدون مقبولون عند الله تعالي.." هذا هو شأن العلماء الأجلاء فاللهم ارحمنا من الأدعياء الجهلاء.