في الدور الثالث بقسم العظام يرقد محمود عبدالجليل الطالب بالصف الثالث الاعدادي بالمستشفي بعد ان أصيب بكسر مضاعف في فخذه الأيمن اثر سقوطه من أعلي سطح منزله.. الطفل الذي قاده القدر ليواجه العجز إذا لم يعالج سريعا، لم يكن قبل اصابته يلهو ويمرح كغيره من أبناء سنه ولكنه كان يعمل باليومية مع أخيه الأكبر ليوفر متطلبات المعيشة، التي كانت المعضلة الأولي في حياة الأسرة المصرية علي مدار 03 عاما مضت.. الطفل ابن الأب توفي وهو يسعي علي لقمة العيش وابن لأم أتعبها الكفاح لتلبية مطالبه واخوته وتربيتهم بعد ان تركها زوجها وحيدة، إلي ان كبر ابناؤها وسلمتهم راية الكفاح لتأخذ استراحة محارب أنهكه القتال. لم تكد الأم المسكينة تجني ثمرة جهدها في تربية أبنائها حتي سقط ابنها الأصغر أمام عينيها طريحا للفراش، محمود لم يقترف اثما عاقبه عليه القدر ولكنه حاول ان يرضي رغبة قديمة لأمه فتعرض للاصابة الشديدة التي أفقدته القدرة علي الحركة.. رغبة بسيطة لكنها كانت صعبة المنال بالنسبة لأرملة تسعي علي رزق أبنائها، الأم المسكينة كانت تحلم بيوم تجلس فيه بيتها معززة مكرمة كغيرها من النساء، وطالما راودها الحلم بان يكون لديها تلفاز تشاهد من خلاله العالم.. رغبة الأم أصبحت هدف الطفل فعمل كثيرا واجتهد حتي استطاع شراء الجهاز بمعاونة شقيقه الأكبر ولخفة وزنه تسلق سطح المنزل ليركب طبق استقبال الارسال إلا ان ذكاءه خانه لحظة ولم يقدر جيدا المسافة بينه وبين حافة المنزل ليختل توازنه ويسقط أرضا.. وبقلب الأم هرولت المسكينة إلي ابنها وحملته إلي ان وصلت به إلي مستشفي الاسماعيلية العام وكان تقرير الطبيب صدمة لهم فالطفل أصيب بكسر مضاعف في الفخذ الأيمن بالاضافة إلي عدة سجحات وكدمات وبحاجة إلي تدخل جراحي عاجل لتركيب مسمار تشابكي سعره 0051 جنيه.. المبلغ ضخم بالنسبة لأسرة تتقاضي معاشا قدره 072 جنيها وربها يعمل اليومية، اسبوع الشفاء قرر توفير المسمار التشابكي للمصاب لانقاذه من عجز وشيك إذا حدث تأخر في اجراء الجراحة. الغربة والمرض ما أسوأ ان تجد نفسك وحيدا وقت احتياجك لرفيق خاصة إذا كنت في غربة وألمت بك مصيبة من مصائب الدهر.. الحكاية ببساطة لشاب سيناوي يدعي جمال عبدالمعبود عواد من أبناء العريش في منتصف العقد الرابع من عمره، ويعمل موظفا بجامعة العريش، تزوج حديثا وفي انتظار مولوده الأول، حياته هادئة بلا مفاجآت، يذهب صباحا إلي عمله ويعود إلي بيته بعد ان يفرغ منه، سارت حياته علي هذا النمط فترة طويلة إلي ان عرض عليه رئيسه ان يتم انتدابه بجامعة الإسماعيلية لفترة مقابل حصوله علي بدلات اضافية تحسن من دخله، لم يتردد جمال في قبول العرض خاصة وانه معروف بطاعة رؤسائه فضلا عن رغبته في توفير نفقات الولادة التي اقترب موعدها.. سافر جمال إلي الاسماعيلية وكانت أول مرة تطأ قدميه أرضها وليس له بها قريب ولا نسيب، عاش بها وحيدا في سكن تابع للجامعة ولم يمض أسبوع واحد علي انتدابه بالإسماعيلية حتي تحطمت احلامه علي صخرة السرعة الجنونية لسائقي الميكروباص فبعد ان انتهي جمال من أداء عمله بالجامعة وأثناء خروجه من بوابتها وعبوره الطريق صدمته سيارة ميكروباص مسرعة كادت ان ترديه قتيلا لولا العناية الالهية التي انقذته من تحت عجلات السيارة مصابا بكسر أعلي القصبة اليمني وكدمات وجروح في مختلف أنحاء الجسد. وبشهامة المصريين المعهودة نقله أبناء الحلال من المارة إلي مستشفي الاسماعيلية العام حيث تلقي الاسعافات الأولية وأجري له الأطباء أشعة للاطمئنان عليه وتبين اصابته بكسر أعلي القصبة اليمني أسفل الركبة مباشرة وفي حاجة إلي عملية جراحية لتركيب شريحة لتثبيت عظمة القصبة تكلفتها تصل إلي 007 جنيه، جمال فقد جميع أوراقه وأمواله في الحادث ويرقد وحيدا بالمستشفي في انتظار رحمة القدر الذي قاد »أسبوع الشفاء« إليه ليتكفل بتوفير الشريحة اللازمة. سائق يفقد ذراعه لم يكن يتخيل يوما انه لن يعود لممارسة عمله الذي احبه، والذي لم يعرف غيره منذ نعومة اظافره، بدأ حياته بالكفاح والمثابرة، اضطرته ظروف الحياة القاسية لترك دراسته، ليكون عونا لوالده، ويساعده في الانفاق علي اخوته الصغار، ولانه الابن الاكبر لاخوته كان لزاما عليه ان يتولي مسئوليتهم، واضطر ان يتقمص دورا لا يعرف عنه الكثير، فانتقل بشكل مفاجيء من دور الابن إلي دور الاب، رغم صغر سنه. عافر مع الزمن وتحداه، بكل جلد وصبر، فتعلم أنور طايع مهنة القيادة منذ ان كان عمره 81 عاما، وظل يعمل علي سيارة احد اقاربه باليومية، فدارت عجلة الحياة، وصالحته نسبيا، واستطاع ان يتزوج بعد ان رزقه الله بعمل علي سيارة اجرة، استطاع من خلاله ان يدبر أموره ويوفر ما يكفيه للزواج، وبالفعل تزوج وانجب طفلة، سعد بها كثيرا، وشعر انه ملك الدنيا بأسرها، ولم يتخل عن اخوته الصغار ووالديه، وأصبح ينفق علي اسرتين الأولي مكونة من زوجته وبنته، والاخري مكونة من والده ووالدته و3 أخوة صغار، وذات يوم كان فوق منزله الذي بناه من الطوب الاخضر »اللبن« كان يفعل شيئا ما، وفجأة سقط به سقف المنزل، فاصيب بكسر مضاعف في الذارع الأيمن، وكسر في الساق اليسري، وكدمات بالكعب، فدخل مستشفي الاسماعيلية العام وظل قابعا بها في انتظار من يتبرع له بتكلفة الشريحتين اللتين يحتاجهما لاجراء العملية الجراحية، تحمل اسبوع الشفاء تكاليف هاتين الشريحتين، ليعود أنور طايع إلي ممارسة حياته الطبيعية. الإسماعيلية - أحمد زكريا - مخلص عبدالحي