هناك من يعملون في صمت ولا يملكون جيوش من البشر علي » السوشيال ميديا » »يبَرْوِزون» أعمالهم ويبرزونها. هؤلاء مكانهم الحقيقي هو »الستيدج» أي المسرح حيث يجب أن يقفوا كالنجوم الساطعة لنصفق لهم، وننحني احتراما وتقديرا وامتنانا. هل تؤمن بالإلهام؟ هل تشعر أحيانا حينما تقابل شخصا بعينه بشحنة غريبة تتسلل إليك، لتجعلك مليئا بالنشاط، متوثبا بالحيوية والرغبة في العمل، الحب والحياة؟ هل مررت بتلك اللحظة التي شعرت فيها أن لديك طاقة هائلة علي احتضان الكون، والبشر؟ هل وجدت نفسك تدندن بأغنية فيروز قيثارة السماء البديعة»إيه.. فيه أمل» بعد لقائك بشخص إيجابي جدا؟. إذا كنت قد صادفت هذا الشخص رجلا كان أو امرأة فلابد أن تكون إنسانا محظوظا فعلا، وإذا لم يكن الحظ قد حالفك حتي الآن فابحث عنه، ولا تكف عن البحث، فهؤلاء الملهمون هم شرارة الحياة التي تضيء ظلمة القلوب البائسة، المفتقدة لأهم شئ في الحياة : الأمل. التقط الشيخ محمد بن راشد حاكم دبي تلك الومضة الفلسفية، الإنسانية الرائعة، وجعلها موضوعا لأحدث مبادراته الملهمة، وأسماها مبادرة »صناع الأمل» يستطيع يتقدم لها أي مواطن من كل الدول العربية، يري في نفسه، أو فيما قدمه لمجتمعه وللآخرين ما يستحق هذا اللقب الرفيع »صانع الأمل». المبادرة فتحت باب الترشح منذ أواخر فبراير حتي 4 إبريل 2017 عن طريق التقديم علي موقع المبادرة الذي يحمل اسمها. وعن طريق الموقع أيضا يمكن للمساندين لفكرة المرشح أن يدعموا ترشحه وتأهله للوصول إلي المراحل النهائية في التصفيات. الجائزة المالية سوف تمنح لفائز واحد. وقدرها مليون درهم إماراتي. لكن هناك أربعة فائزين آخرين سيفوزون بجوائز أدبية تتمثل في التكريم وشهادة تقدير. في رأيي الوصول للنهائيات بمساندة الجمهور الذي يؤمن بإنسانية ونبل الفكر، ويتحمس لدعمها هو المكسب الحقيقي لصانع الأمل. أما المكسب الأكبر الذي يجنيه المجتمع العربي بأسره فهو التعرف علي طاقات النور الموجودة بيننا في كل بلد عربي، وربما لا نعرف منهم إلا القليل. فهناك من يعملون في صمت ولا يملكون جيوشا من البشر علي » السوشيال ميديا » »يبَرْوِزون» أعمالهم ويبرزونها. هؤلاء مكانهم الحقيقي هو »الستيدج» أي المسرح حيث يجب أن يقفون كالنجوم الساطعة لنصفق لهم، وننحني احتراما وتقديرا وامتنانا. أما الشيخ محمد بن راشد فليس غريبا عليه أن يفاجئنا بتلك المبادرة المليئة بالأمل، أليس هو الحاكم العربي الذي اخترع في حكومته وزارة للسعادة العام الماضي؟ أليس هو من دعا منذ أيام قليلة لتأسيس المجلس العالمي للسعادة ؟ هذا المجلس الذي يؤمن بأن العالم بحاجة ماسة إلي تبني مقاربة جديدة لتحقيق السعادة للبشرية، تقوم علي التعاون وتكامل الجهود وتحديد القواسم المشتركة والبحث عن نقاط التوافق، لتعزيز القيم الإيجابية. هذا ما أعلنه الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات حاكم دبي. وقال إن دور الحكومات تحقيق السعادة لشعوبها، عبر تمكينها من اختيار الأدوات والوسائل وتوفير بيئة حاضنة لآمال وطموحات وأحلام الناس، تدعمهم في بحثهم عما يحقق سعادتهم، لإدراكنا أن دور الحكومات يصبح أكثر عمقا وتأثيرا عندما تضع تحقيق السعادة هدفا أسمي. وفي سياق كلمته خلال هذا الإعلان أوضح أن السعادة عدوي محمودة، نريد لشعوب العالم أن يتأثروا بها لينعموا بالخير، مما يتطلب تغييرا ملموسا في ثقافة العمل الحكومي، كما نريد ترجمة فعلية لأهداف المنظمات الدولية التي تشترك جميعا في هدف عام يتمثل في تعزيز الإيجابية والحفاظ علي عالم أكثر استدامة، وتحقيق الخير للإنسان. اختار الشيخ محمد بن راشد أن يعلن عن تأسيس مجلس السعادة العالمي- هو الأول من نوعه في العالم- بالتزامن مع احتفاء العالم باليوم الدولي للسعادة، الذي يصادف يوم 20 مارس من كل عام. قرار يعبر عن رؤية رائعة لحاكم رشيد. صناع أمل فور الإعلان عن مبادرة »صناع الأمل» فوجئت بعدد كبير من الأصدقاء والقراء والمتابعين لقضية عمري »سجينات الفقر وأطفالهن» يطلبون مني الترشح لهذه الجائزة، ليس لمكسب شخصي وإنما تعزيزا لدور الجمعية ورسالتها في دمج السجينات السابقات في المجتمع، وإزالة الوصمة التي تلتصق بهن، وتحول بينهن وبين طرق أبواب الرزق الحلال، والنتيجة أن معظمهن يعدن إلي السجن مرة أخري. أسعدني أن مشواري الطويل والمستمر لتبني تلك القضية مقدر من قبل الكثيرين، وكذلك أن فكرة تغيير حياتهن ليتدربن من خلال ورشة التدريب داخل سجن القاطر للنساء أو ورشة الجمعية التي بدأت منذ أيام خارج السجن وتستقبل السجينات السابقات قد لاقت حماسا عند الناس الطيبين المساندين لقضيتنا. دكتور مجدي يعقوب أما أنا شخصيا فأرشح عددا من الشخصيات المصرية التي أعطت من قلبها وكيانها وإيمانها بما تفعل الكثير لشعب مصر، أعطي صوتي أولا للدكتور مجدي يعقوب الرمز الرائع لمعني العطاء بما حققه علي أرض أسوان في جنوب مصر،عندما أقام مركز مجدي يعقوب للقلب هناك، حيث يجري به أدق وأخطر جراحات القلب للأطفال، ويُشفي فيه قلوب صغيرة ولدت موجوعة، هذا العالم المصري الذي منحته ملكة بريطانيا لقب »سير» لعظمة عطائه الإنساني وعبقريته العلمية والطبية. يستحق هذه الجائزة وهذا اللقب الرفيع، فكم من قلوب شُفيت، وكم من أمهات وآباء أعاد إليهم الروح بإنقاذ أطفالهم. دكتور محمد غنيم قصته مع مركز الكلي بالمنصورة هي الأخري معزوفة إنسانية موحية، فقد أسس الدكتور غنيم هذا المركز علي مستوي عالمي، وأنقذ الآلاف من المصريين الذين كادوا أن يفقدوا حياتهم بسبب تدهور وظائف الكلي، وحاجتهم لزرع كلي بديلة. ظل هذا الصرح الطبي يخدم بتفان وإتقان وتميز أبناء مصر ولا يزال يضرب نموذجا للعطاء الإنساني في أروع صوره. لذلك أعطي صوتي ثانيا للدكتور محمد غنيم. هبة السويدي هذه السيدة لقبها المصريون »أم الثوار» وذلك لدورها البارز مع مصابي ثورة يناير 2011. كانت هبة تشرف علي المستشفيات الميدانية وساهمت في نفقات علاج حوالي ألفي شاب وبعضهم تطلب علاجه السفر للخارج، كل ذلك من مالها الخاص. كذلك أنشأت مستشفي »أهل مصر» لعلاج مصابي الحروق، وهي أول مستشفي متخصصة في الحروق في مصر، يتم من خلالها علاج جميع الحالات بالمجان، كما تتبني التوعية بمخاطر الحريق، والأساليب العلمية لعلاجه. وهي مؤسسة أهلية أشهرت عام 2013. لذلك أعطي صوتي ثالثا للسيدة هبة السويدي. د. مصطفي العبادي عرفت د. مصطفي العبادي عام 2002.كنت وقتها أجمع المادة العلمية لكتابي »أسطورة الأسكندرية.. قصة أشهر مكتبة عرفها العالم». وعندما بحثت في المراجع كان اسم الدكتور مصطفي هو القاسم المشترك، والأهم بين كل الباحثين العرب أو حتي الأجانب الذين كرسوا جزءا كبيرا من حياتهم في دراسات حول المكتبة القديمة، التي فتنت عددا كبيرا من عشاق التاريخ، وسحرت قلوبهم وعقولهم. علي المستوي الإنساني كان رجلا استثنائيا بمعني الكلمة، قدم لي كل العون أثناء إعدادي لكتابي بمنتهي الحب والتواضع، وكانت كتبه وحواراتي الطويلة معه عن المكتبة القديمة هي أكثر ما سحرني، وجعلني عاشقة من عشاق هذا الكيان الأسطوري، المسمي ب»مكتبة الأسكنرية القديمة». كذلك سافرنا بدعوة من المركز الثقافي المصري بباريس لإلقاء محاضرة عن مكتبة الأسكندرية وكان كالعادة خير أستاذ، وأرقي صحبة. كان الدكتور العبادي هو صاحب فكرة إحياء مكتبة الإسكندرية القديمة وإنشاء مكتبة الإسكندرية الجديدة، عمل منذ سبعينيات القرن العشرين علي دفع الجهود المحلية والإقليمية والدولية من أجل إحياء مكتبة الاسكندرية كمؤسسة بحثية وثقافية. كما استمر دعمه للمكتبة موصولا بلا انقطاع، علميا ومعنويا وعلي كافة الأصعدة منذ افتتاحها وحتي وافته المنية في الاثنين الموافق الثالث عشر من فبراير من عام 2017، ويعد الأستاذ الدكتور مصطفي العبادي أحد أهم أعمدة الدراسات الكلاسيكية في مصر والوطن العربي بل وعلي مستوي العالم أيضا، خاصة تلك المتعلقة بمدينة الإسكندرية، حيث اهتم بدراسة تاريخ المدينة وحضارتها من مختلف الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والتاريخية والفكرية والعلمية. ولد في القاهرة عام 1928، وحصل علي درجة الليسانس في التاريخ القديم من جامعة الإسكندرية عام 1951. كما حصل علي درجة الدكتوراه من جامعة كمبردج عام 1960. وقام بالتدريس بجامعة الإسكندرية منذ عام 1961، كما تولي رئاسة قسم الحضارة اليونانية والرومانية. نال الدكتور مصطفي العبادي، العديد من التكريمات المحلية والعربية والدولية، منها جائزة كفافيس في الدراسات اليونانية القديمة (اليونان 1997)، وجائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية (مصر 1998)، وجائزة »طه حسين» وهي أرقي جوائز جامعة الإسكندرية (مصر 2005)، والدكتوراه الفخرية في الدراسات الإنسانية من جامعة كيبيك في مونتريال (كندا 2005)، وجائزة النيل (مصر 2013)، ووسام الجمهورية للعلوم والفنون من الطبقة الأولي (مصر 2014). سويسرا.. نفحة من الجمال السبت: تلقيت دعوة كريمة من منظمة أشوكا بسويسرا لإلقاء محاضرة عن تجربتي مع سجينات الفقر وأطفالهن. وذلك باعتباري واحدة من زملاء أشوكا الوطن العربي، تلك المنظمة المعروفة عالميا باعتبارها إحدي أهم المنظمات العالمية التي ترعي الإبداع الاجتماعي والمبدعين في المجال الإنساني، أي أنها تبحث عن أصحاب المبادرات الإيجابية الذين يتبنون حلولا مبتكرة، تتميز بالجدة والجدية والمصداقية تجاه إحدي القضايا الإنسانية. وكان اختياري زميلة لأشوكا عام 2013 نقطة تحول كبيرة في مسار مشواري الطويل مع قضيتي التي أعطيتها جزءا كبيرا من حياتي وجهدي»سجينات الفقر وأطفالهن». كانت تلك الأيام القليلة التي قضيتها في جنيف فرصة لالتقاط الأنفاس من الايقاع المتسارع الذي عشته في مصر خلال الشهر الماضي، كنا في »جمعية رعاية أطفال السجينات» ونحن نعد لافتتاح الورشة الإنتاجية لمشروع »حياة جديدة» الذي تقيمه الجمعية لتدريب وتشغيل السجينات السابقات بالشراكة مع مؤسسة دروسوس للتنمية، ونحضر لبلورة فكرة »التحالف الوطني لحماية المرأة بالقانون» الذي أطلقته الجمعية في يناير الماضي. العمل في الجمعية الآن ينتزع من وقت الكتابة كثيرا، بل ويجور عليها، وأنا أسمح لها بهذا الجور لأنني أحب القضية التي أعطيتها عمري عن طيب خاطر، وأواسي نفسي قائلة »سوف ننجز ما يجب انجازه من أجل هؤلاء الذين احتلوا جزءا من نفسي، وبعدها وعندما أطمئن علي إنجاز الأهداف الرئيسية، ربما أستريح قليلا، وأجد وقتا للكتابة، التي هي نفسي وكياني وسبب وجودي. مدينة الملائكة الاحد: جنيف هي بحق »مدينة الملائكة» هكذا شعرت بها. صغيرة المساحة، هادئة حد السكون ! في الفجر يوقظك صوت العصافير تزقزق بفرح، إيذانا ببدء يوم جديد. نظام مروري مذهل، مواصلات عامة منتظمة، نظيفة، ألوانها مبهجة. والأهم من كل ذلك أنهالا مجانية للغرباء، في الفندق يعطونك كارت تستخدمه في كل المواصلات العامة داخل جنيف مجانا! ما هذا؟ ما الذي تفعلينه بنا يا مدينة الملائكة؟! قابلت هناك مصريا مقيما بجنيف منذ ستين عاما، بالتحديد منذ نكسة 1967 عندما انهار الحلم القومي في قلوب معظم شباب مصر وقتها، هو صيدلي ناجح هناك، مصري حتي النخاع يتابع كل ما يحدث علي أرض مصر بكل وطنية وحب، خوف وقلق.. أخذنا دكتور حسني أبو المعاطي في جولة لمشاهدة أهم المناطق في جنيف، وحكي لنا أن رجل أعمال سويسريا اسمه »برنشفيك» تبرع للمدينة بقطعة أرض في منطقة من أغلي المناطق في جنيف، علي البحيرة الشهيرة هناك، وبشارع »الرون» أغلي سعر متر أرض في جنيف أو ربما في أوروبا، والأعجب أن هذا الرجل كان له شرط واحد هو أن يدفن بعد موته في هذه الحديقة، وهذا ما حدث بالفعل!! حدثنا د. حسني عن عجيبة أخري من عجائب جنيفوسويسرا بشكل عام وهي أن أي قرار تريد الحكومة اتخاذه ويتعلق بالمواطنين، يتم عمل استفتاء بشأنه، ولا يتخذ أي قرار إلا بموافقة أغلبية المواطنين !! لذلك تجد المحال جميعا والسوبرماركت تغلق أبوابها في السابعة مساء، والبلد تقريبا يتوقف عند هذه الساعة، وذلك لأن المواطنين ومنهم عاملون في تلك المرافق المختلفة يعطون أولوية للبيت، والعودة مبكرا، ولا يفضلون العمل ليلا، لذلك جاء القرار بما يتوافق مع رضاء المواطنين. أما الرئاسة عندهم فتتشكل من مجلس رؤساء قوامه سبعة رؤساء يختارهم البرلمان، ويتم تناوب السبعة علي الرئاسة خلال تلك السنوات السبع، كل واحد يحكم لمدة سنة. سألت الدكتور حسني: أليس لديكم أية مشكلة؟ هل يمكن أن يعيش الإنسان بلا مشاكل ؟! ضحك وقال : مشكلتنا هي الملل أحيانا من أن كل شئ perfect مثل الساعة السويسرية تماما !!