سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
د. علي جمعة في مقال ل »نيويورك تايمز«: الإسلام جزء من نظامنا الديمقراطي الجديد.. ولا يمكن فصل الدين بالكامل عن السياسة ليس من حق »الوسط« ولا السلفيين ولا أي جماعة التحدث باسم الإسلام
وافق المصريون الشهر الماضي علي التعديلات الدستورية، التي ستمهد الطريق لإجراء انتخابات حرة.كانت عملية التصويت هي الحدث الرئيسي في الديمقراطية الناشئة بمصر، الذي أعقب ثورة أطاحت بعقود من الحكم الديكتاتوري. ولكن أيضا تسلط الضوء علي قضية ستواجههم وهم يحاولون تدعيم ديمقراطيتهم، وهي دور الدين في الحياة السياسية. فقد سبق عملية التصويت علي التعديلات في الاستفتاء الأخير استخدام واسع النطاق للشعارات الدينية بواسطة مؤيدي ومعارضي هذه التعديلات، سجالُ ُ بين الفريقين حول موقع الدين في دستور مصر في المستقبل، وعودته للحياة السياسية بواسطة الجماعات الإسلامية. فمصر مجتمع متدين للدين فيه جذور عميقة، ومسألة أن يكون للإسلام مكان في نظامنا السياسي الديمقراطي هي أمرُُُ ُ لا يمكن تفاديه.ولكن لا ينبغي أن يكون هذا سببا في ترويع المصريين أو أن يكون فزاعة للغرب. فالدين بالنسبة للمصريين هو دين يقوم في أساسه علي الاعتدال، والإسلام بالنسبة للمصريين هو دين للتسامح. ونحن نؤمن بأن الشريعة الإسلامية أعطت ضمانات لحرية الرأي والتعبير (في حدود اللياقة المتعارف عليها) وأعطت حقوقا للمرأة متساوية مع الرجل، وبصفتي رئيس المؤسسة الإسلامية المسئولة عن إصدار الأحكام الإسلامية في مصر (الفتاوي) فإنني أستطيع أن أؤكد لكم أن المؤسسة الدينية ملتزمة بفكرة أن الحكومة لا بد وأن تقوم علي السيادة الشعبية (إيضاح من المترجم: تعبر عن رؤية المصريين للإسلام). وبينما لا يمكن فصل الدين بالكامل عن السياسة، فإننا نستطيع أن نؤكد بأنه لن يُسَاء استخدامه، أي الدين، لتحقيق مكاسب سياسية. لقد تركزت معظم السجالات التي دارت حول الاستفتاء الأخير علي المادة الثانية من الدستور- الواردة في دستور عام 1971 وتقر الإسلام دينا رسميا للدولة وما تبعها بعد سنوات قليلة من تعديلات جعلت مبادئ الشريعة الإسلامية هي أساس التشريع وتركزت السجالات علي أنه حتي ولو لم تكن المادة مطروحة للتصويت، إلا أن جماعات دينية كثيرة كانت تخشي من أن ينتهي أي رفض محتمل للتعديلات بدستور جديد كلية تُلغي فيه هذه المادة. من ناحية أخري، كان العلمانيون يخشون من أن يؤدي ترك هذه المادة الثانية دون تغيير إلي التأسيس لقيام دولة إسلامية والتمييز ضد الأقباط المسيحيين وأقليات دينية أخري. ولكن لا بد من أن نقر بأن التراث الديني لأي دولة هو قضية هوية قومية، ولا ينبغي أن يتخل أو يمس الطبيعة المدنية للعملية السياسية. فليس هناك أي تناقض بين المادة الثانية والمادة السابعة من دستور مصر الانتقالي، الذي يضمن المساواة بين جميع المواطنين أمام القانون بغض النظر عن الدين والجنس والعقيدة. علي أية حال، فإن دولا كالدانمارك وبريطانيا والنرويج بها كنائس رسمية تابعة للدولة، كما أن الإسلام هو الدين الرسمي في دول تعد علمانية من الناحية السياسية كتونس والأردن. وحقوق الأقباط في مصر متساوية بصورة مطلقة بما فيها حق الترشح لمنصب الرئيس كحق مقدس. وببساطة، فإنه لا يمكن استثناء الجماعات الإسلامية التي طالما تم اضطهادها من العملية السياسية.. فكل المصريين من حقهم المشاركة في إقامة مصر الجديدة، شريطة أن يحترموا حرية العقيدة الدينية والمساواة بين جميع المواطنين. وحتي نحمي ديمقراطيتنا، لا بد أن نتصدي بقوة وبالقانون والدستور لأي حزب يقوم علي أساس طائفي، من شأنه إشعال فتنة طائفية. ولا بد وأن يفهم الإسلاميون أنه في بلد توجد فيه حركات تتسم بالتنوع كحركة الإخوان المسلمين، فإن حزب الوسط الذي يطرح تفسيرا تقدميا للإسلام، وكذلك حركات السلفيين، في بلد كهذا لا تستطيع أي جماعة أن تتحدث باسم الإسلام. وفي نفس الوقت، لا يجب أن نخشي من أن يؤدي انخراط هذه الجماعات في الحياة السياسية إلي ضياع الحريات الوليدة أو الجديدة. فواقع الأمر يؤكد أن الديمقراطية ستخضع الحركات الإسلامية للاختبار، وعليهم الآن تبني برامج ورسائل سياسية لاستمالة الشارع المصري، وسوف لن يكون تبني خطابا متطرفا فقط ضد القانون، وإنما سيؤدي أيضا إلي تهميشهم سياسيا. بعد الإطاحة باليد الطولي للاستبداد، لن يقبل المصريون العودة للوراء تحت ستار الدين. سيكون للإسلام مكان في الديمقراطية المصرية، ولكن سيكون الإسلام هنا أساسا للحرية والتسامح، ولن يكون أبدا وسيلة للقمع.