كان الضغط متصاعداً، وكانت الرؤية غائمة عند الحاكم والمحكوم، فبفعل مخططات الحاشية كان الحاكم مغيباً، ثم وبفعل "الزن علي الودان" صار الحاكم جزءا من الأزمة، وانتقل الي مربع الفاعل بإرادته، وشأنه شأن كثير من الأسر المصرية كانت المرأة هي الفاعل الحقيقي التي تقف وراء خيارات الرجل، هكذا كانت حواء عندما خضع آدم لمشورتها فخرجا معاً من الجنة إلي أرض الشقاء، وهكذا تقف المرأة بحسب الدراسات الاجتماعية الجنائية وراء تجذر عادة وظاهرة الثأر حتي ارتدت الرصاصة الي صدر العائلة. ولأن بقاء الحال من المحال ولأن للصبر حدودا بحسب الخبرة المصرية الموروثة، جاءت استنارة 25 يناير لتعيد كتابة المعادلة وترتيب العلاقة بين عناصرها، ويتهاوي الاستبداد ويسقط رأس النظام بشكل مباغت تجاوز حتي تصورات شباب التحرير وميادين عواصم المحافظات، علي الأقل بهذا التسارع. ويبقي الشعب المصري سرا أزليا أبديا كهرمه الأكبر الذي يحمل في جوفه ما يستعصي علي العلم والمنطق. كان موقف الجيش المصري وطنياً إلي أقصي مدي منذ اللحظة الأولي عندما رفض أن يتحول إلي عصا غليظة لضرب جحافل الشباب وإجهاض ثورته، وعندما سيج حول الشباب وحول مطالبه باسقاط رأس النظام الي حقيقة، ومازال هو الحارس الحقيقي لمكتسبات الثورة. علي أننا يجب أن ننتبه إلي أن الثورة لحظة وإن طالت وعلينا أن نقرأ تجارب وخبرات الثورات الشعبية عبر التاريخ، لنتجنب ثغرات الارتداد أو الإجهاض التفافاً أو اختراقاً، فنحن الآن نقف في المنطقة الرمادية بعد أن تحرك قطار الثورة من المربع الأسود لكنه لم يصل بعد الي المربع الأبيض، والطريق ليس ممهداً أمامه، بفعل القوي الظلامية التي تعرقل انطلاقه، وعلي رأسها التنظيمات السياسية الفاشية التي مازالت تحتل أماكنها علي الخريطة السياسية ولعل ابرزها تشكيلات ما عرف بالمجالس المحلية والمنبثة في كل قرية ومركز وقسم علي امتداد خريطة مصر من اقصاها إلي أدناها، ولا يمكن ان نطلق عليها مسمي فلول، فهي ترتب أوراقها للعودة الي مقاعد البرلمان، وإلي كراسي الحكم المحلي والقومي، ويساندهم الحليف الخفي والعدو الظاهر من التيارات المتطرفة في استغلال ملتو للمقدس لدغدغة واختطاف الحس الديني لدي العامة كما كان دأبهم في السابق، وتقدم نفسها باعتبارها واحدة من القوي المؤيدة للثورة في براجماتية فجة وانتهازية لا تستحي. الخطورة تكمن في أن المجلس الأعلي للقوات المسلحة وفقاً لمعطيات عقيدته العسكرية وتكوينه المنضبط والحاسم، لا يتعاطي السياسة ولا يسمح بمناوراتها أن تتسلل إلي منظومته، لذلك تولدت العديد من الإشكاليات التي تلقفها المتربصون بالثورة للارتداد بها خروجاً من المنطقة الرمادية إلي المربع الأسود بكل ما يعنيه هذا من مخاطر لا يمكن لأحد أن يدفع فاتورتها، ولعل هذا ما يفسر اصرار القيادة العسكرية علي التأكيد علي سعيهم لانتقال مقاليد الحكم إلي سلطة مدنية، وحتي يتم هذا وهو محل اتفاق بين كل القوي الوطنية نتطلع إلي أن يفسح المجلس العسكري صدره للقوي السياسية الوطنية في حق الاختلاف وحق قراءة ما يصدر من مراسيم قوانين، وربما نكون بحاجة إلي أن يأتي النقاش سابقاً للمراسيم بقوانين، حتي تأتي الأخيرة متوافقة مع معطيات مطالب الشارع دفعاً في اتجاه ترسيخ الدولة المدنية، وحتي نغلق الباب أمام سعي القوي الظلامية لتصوير الأمر علي كونه مصادمة بين الطرفين. وقد يكون من الأفضل الترتيب لتشكيل مجلس رئاسي مدني يمثل فيه المجلس العسكري أيضاً، يقود الوطن في مرحلة انتقالية حتي يأتي الانتقال أمناً، وحتي تستطيع القوي السياسية الجديدة والمتمثلة في الشباب من ترتيب صفوفها والمشاركة الجادة في رسم الخريطة المستقبلية بوعي وقوة وفاعلية، فهم ثلاثة ارباع الحاضر وكل المستقبل، ولا يمكن بحال أن نتركهم لمفرمة القوي الارتدادية الأكثر تنظيماً وتربصاً. وقد يتطلب هذا إعلان وقف العمل بالإعلان الدستوري الأخير وإصدار قرار بالبدء في تشكيل المجلس الرئاسي المدني وصلاحياته والفترة الانتقالية المحددة وتكليفه برسم المحاور الرئيسية للتغيير وفتح حوار جاد في ترتيب هرمي متصاعد يبدأ بالقرية والشارع حتي يتجمع في لجنة عليا ترصد وتسجل توصيات الحوارات الشعبية وتبلورها في منظومة توصيات تترجم في وثيقة جامعة، تتشكل منها وثيقة الدستور المدني المرتجي، حتي يمكن ان ننتقل من المنطقة الرمادية الي المربع الأبيض ونتفرغ للمعركة الأكبر للخروج من هاوية الانهيار الاقتصادي عبر تعليم وإعلام وثقافة وزراعة وتصنيع وانتاج وخدمات متطورة تليق بالحضارة التي وقفت وراء تحرك الشباب الواعي والمبهر في 25 يناير ومازال يحرس ثورته ضد الهجمات الارتدادية.