»مخاطر التجريف« تعبير ظهر في مصر لأول مرة خلال النصف الأول من الثمانينيات.. عندما اندفعت مافيا الأراضي إلي اغتصاب خصوبة التربة الزراعية، وذلك باستقطاع القشرة الصالحة للزراعة بعمق متر واحيانا مترين وسحبها بعيدا عن الأراضي لحرقها في قمائن الطوب الأحمر.. وقد تمثلت خطورة تلك الجريمة في حرمان الارض من غطائها الخصب واهدار قيمتها الزراعية وتركها للبوار والتصحر. لذلك فقد أصاب أستاذنا الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل عندما استخدم تعبير »التجريف السياسي« منذ أيام.. قال إن مصر شهدت تجريفاً لأرضها السياسية اثناء نظام الرئيس السابق حسني مبارك تجريفا انتزاع الطبقة الخصبة الصالحة للزراعة بما أجبرنا علي أن نزرع في الصخر.. وربط هيكل بين جريمة التجريف السياسي والمرشحين لرئاسة الجمهورية حيث قال إنه لا عمرو موسي ولا البرادعي يصلح لرئاسة الجمهورية.. وحجته في ذلك ان من ينجح في عمل دبلوماسي أو في مجال علمي ليس شرطا ان يحقق نفس النجاح في قيادة دولة بحجم ووزن مصر.. وبهذا فقد تركنا هيكل نستنتج النتائج المدمرة للتجريف السياسي.. ولعل أخطرها ان مبارك أصاب الحياة السياسية بالعقم خلال فترة حكمه.. وأن العلاج من هذا العقم يحتاج سنوات طويلة! وليسمح لي »الاستاذ« أن أضيف انواعا اخري للتجريف السياسي.. فهناك التجريف الاقتصادي الناتج عن الخصخصة.. واسفر عن إهدار الاصول المنتجة ببعيها لبطانة النظام السابق بتراب الفلوس .. ثم نهب ما تبقي من أملاك الدولة وجعلها في حوذة المحاسيب من المسئولين وأتباعهم الذين يحقق النائب العام مع بعضهم الآن .. وقد ترجم هذا التجريف سياسة التجويع التي اقترنت بترويع الشعب حتي لايجرؤ علي المطالبة بحقوقه المسلوبة. وهناك أيضا التجريف الاجتماعي، وهو نتاج سلبي للتجريف في مجالي السياسة والاقتصاد.. حيث ادت ضغوط الفقر والغلاء والقهر والظلم إلي انهيار العلاقات الاجتماعية بين الناس وتراجع منظومة القيم والعادات والتقاليد.. بل وتغليب الباطل علي الحق والتعامل علي طريقة »أنا.. ومن بعدي الطوفان«! كلمات ساخنة كانت حكومة نظيف في النظام السابق تبرر التباطؤ في تنفيذ مشروعات البنية الاساسية بعدم توافر الموارد الكافية.. وتبين بعد الثورة أن معظم الموارد دخلت جيوب اعضاء الحكومة وحبابيها.. يعني حكومة حرامية، غنية .. وشعب فقير »!« رئيس مجلس إدارة سابق، تجري محاكمته بتهمة الاستيلاء علي المال العام وتربحه من المنصب رآه الكثيرون أيام المنصب يقرأ القرآن ويمسك بالسبحة بعد الصلاة في السيدة نفيسة.. ظني انه كان يقول في دعائه: »اللهم بارك لي فيما سرقت.. واسترها علي فيما نهبت«!