لم تمض ساعات علي تقديم السفير الإسرائيلي لدي موسكو »جري كورين» أوراق اعتماده، إلا واستدعته الخارجية الروسية لتقديم إيضاحات حول قيام سلاح الجو الإسرائيلي بقصف قاعدة عسكرية سورية شرق مدينة حمص، ورغم أنها ليست المرة الأولي لإسرائيل، إلا أن إدارة بوتين رأت أن هذه العملية تختلف عن سابقتها، لاسيما أنها أعقبت زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو لموسكو، وما تضمنته من مباحثات بين الجانبين الروسي والإسرائيلي حول الملف السوري. وتؤكد المعطيات أن استدعاء السفير الإسرائيلي، يعكس خرقاً إسرائيلياً لاتفاقات سياسية وأمنية مع موسكو حول الملف السوري، فنتانياهو الذي زار موسكو للمرة الخامسة في غضون عام ونصف العام، اصطحب معه خلال الزيارة الأخيرة رئيس الاستخبارات العسكرية الجنرال »هارتسي هالليفي»، والوزير »زئيف أليكين»، وهو الوزير الذي التقي عدداً كبيراً من أعضاء الكرملين خلال زيارات نتانياهو المتتالية لموسكو، وبات يحظي بارتياح كبير لدي المسئولين الروس. ولعل المباحثات التي أجراها الجانبان الروسي والإسرائيلي، إضافة إلي لقاء بوتين - نتانياهو تؤكد اتفاق الطرفين علي خطوات واضحة في الملف السوري، الذي احتل حجر الزاوية في الزيارة التي يدور الحديث عنها. وقبل إقلاع طائرة نتانياهو والوفد المرافق له إلي موسكو، قال بيان صادر عن ديوان رئاسة الوزراء في تل أبيب، إن الهدف الجوهري من الزيارة هو: استمرار التواصل بين روسيا وإسرائيل، لتفادي المناوشات العسكرية بين الأخيرة وسوريا. ثانياً: اعتراض إسرائيل القاطع لإمكانية بقاء قوات إيرانية في سوريا حال التوصل إلي أي اتفاق أو تسوية. لكن نتانياهو وفي أعقاب توجيه ضربة جوية لمواقع سورية، قال: »نحن نعمل للحيلولة دون تمكين حزب الله من الحصول علي أسلحة متطورة من إيران عبر سوريا، فسياسة إسرائيل حيال الملف السوري تقوم علي تعقب ما يجري علي الأرض، لاسيما أننا تلقينا المعلومات التي تؤكد اعتزام إيران نقل أسلحة وعتاد من سوريا إلي حزب الله في الجنوب اللبناني». ولم تنطلِ تصريحات نتانياهو علي بوتين، الذي يؤكد استدعاءه للسفير الإسرائيلي أن تل أبيب خالفت ما تم الاتفاق عليه خلال زيارة نتانياهو الأخيرة، خاصة أن الأخير أعلن بعد العملية الجوية في سوريا، أن حكومته لن تقبل بإجراء تفاوض علي الجولان خلال أية تسوية محتملة مع سوريا. وفي حديثها المستفيض عن العملية الجوية الاسرائيلية في العمق السوري، نقلت صحيفة يديعوت أحرونوت عن دوائر صحفية في لبنان تأكيدها أن القيادة السورية غيرت أوامرها العسكرية بشكل مباغت، حينما أكدت علي جميع الوحدات الاستعداد للتعامل مع أية طائرات معادية تدخل الأجواء السورية. ومع قدوم المقاتلات الإسرائيلية من الأجواء اللبنانية، فتحت بطاريات صواريخ الدفاع الجوي السوري نيرانها علي الطائرات المغيرة، فأسقطت واحدة منها، بينما لحقت أضرار بالطائرات الأخري، التي عادت جميعها إلي قواعدها. ووفقاً لمصدر وصفته الصحيفة العبرية بالمطلع، رصدت وحدات الدفاع الجوي قبل ساعات من القصف طائرات تابعة لسلاح الجو الإسرائيلي تحلق في سماء الجولان، وتقوم باختراق الأجواء السورية، ثم تعود سريعاً إلي الأجواء الإسرائيلية. وفي تمام الساعة الثانية و40 دقيقة من فجر يوم الجمعة، عادت المقاتلات ذاتها ودخلت المجال الجوي السوري، ووجهت ضربات لأهداف شرق حمص، وعلي الطريق المؤدية إلي مدينة تدمر. وفي هذه المرحلة، وفقاً لما نقلته يديعوت أحرونوت عن المصادر نفسها، أطلقت منظومات الدفاع الجوي السورية S-200 قذائفها علي الطائرات الإسرائيلية فأسقطت إحداها، وألحقت أضراراً بالبعض الآخر، الذي عاد أدراجه إلي إسرائيل. رغم تلك التطورات وما تضمنته من معلومات تشي بإصرار إسرائيل علي الاحتفاظ لنفسها بسياسة خاصة تجاه سوريا، إلا أن واقع الحال يؤكد أن حكومة نتانياهو لا تلعب بمفردها لترسيخ تلك الاستراتيجية لدي روسيا وغيرها من عواصم الدول العظمي، فقبل زيارة نتانياهو لموسكو ب 72 ساعة، قام زعيم المعارضة الإسرائيلية إسحاق هيرتسوج بزيارة إلي العاصمة ذاتها، والتقي هناك نائب وزير الخارجية الروسي، وطالبه بمنع حصول حزب الله علي وسائل قتالية روسية، أمدت بها موسكو حكومة دمشق، والحيلولة دون حصول عناصر حزب الله في سوريا علي نفوذ عسكري بالقرب من هضبة الجولان، مشيراً إلي أن ذلك يعتبر خطا احمر بالنسبة لإسرائيل. • محمد نعيم