المطالب الفئوية حقوق مشروعة لفئات كثيرة عانت الظلم والقهر لسنوات طويلة اتسعت فيها الفجوة بين ملايين الرؤساء وملاليم المرؤوسين حتي جاءت ثورة 52 يناير فحررت العمال والموظفين من الخوف وأخرجتهم من حالة الصمت الرهيب التي عاشوا فيها.. فأعلنوا الرفض والاحتجاج الجماعي بوقفات ومظاهرات مطالبين بحقوقهم بشكل فوري وبطريقة أضرت بالاقتصاد القومي بسبب تعطل العمل وتوقف الإنتاج. كيف نواجه هذه المشكلة بما يحقق مطالب المحتجين دون أن يتأثر الاقتصاد وتعود عجلة الإنتاج للدوران من جديد. في هذا التحقيق تستطلع »الأخبار« آراء مجموعة من الخبراء والمختصين. في البداية يقول د. أحمد كمال أبو المجد النائب السابق لرئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان: إن الثورة كشفت كل الأوجاع التي كانت مختفية منذ سنوات طويلة.. فالثورة المصرية بدأت بالمطالبة بالحرية وإسقاط النظام.. ليبدأ بعد ذلك كل من تعرضوا للظلم في المطالبة بحقوقهم.. وهنا يجب أن ننتبه حتي لا نعطي الفرصة لأعداء الثورة لتفكيك النسيج المجتمعي والالتفاف حول الثورة، ففي هذه المرحلة يجب أن نقرأ المشهد بشكل متأن ويتم ترتيب الأولويات حتي لا نجهض الثورة. فالمطالب كما يقول د. كمال أبو المجد ستتبناها الحكومة الجديدة والقوات المسلحة، ولكنها مسألة وقت فقط فيجب أن تتم تلبية الحاجات وفقاً لبرنامج زمني يراعي الأولويات. ولكن هذا لا يمنع أن يتم اختيار الفئات الأكثر احتياجاً وتلبية مطالبهم بشكل فوري. الاستقرار الأمني فالأهم الآن كما يقول د. أبو المجد هو الاستقرار الأمني من غير مصادمات جديدة، الإعداد لبناء تنموي بشكل مدروس وبجدول زمني، فيجب أن يتم الاهتمام بالخدمات الصحية بشكل فوري حتي يستطيع المواطن أن يوجه كل طاقته للعمل وتجويد الإنتاج. وحذر د. أبو المجد من خطورة المرحلة الحالية التي تتطلب يقظة ووقفة صارمة، ويجب أن يكون شعارها »حب العمل« وأن تكون لدينا رغبة حقيقية في التقدم. كما يجب محاسبة كل القيادات الفاسدة بالمصالح والهيئات والشركات بعدالة شديدة، وأن يكون هناك إشراف ورقابة مشددة لتقييم المرؤوسين بعدالة وشفافية.. وتحقيق كل المطالب الفئوية وفق جدول زمني، واقتلاع كل القيادات الفاسدة ليتفرغ الجميع للعمل والإنتاج. فتح حوار ويؤكد د. عبدالمطلب عبدالحميد الخبير الاقتصادي بأكاديمية السادات للعلوم والإدارة أن الأسلوب الأمثل لتحقيق المطالب الفئوية هو فتح حوار بين ممثلين من أصحاب هذه المطالب والحكومة أو قطاع الأعمال، وتحديد برنامج زمني محدد وواضح يتم من خلاله التنفيذ الفوري والتدريجي لهذه المطالب الشرعية لتلك الفئات، وذلك سيؤدي إلي امتصاص غضب المحتجين ويجعلهم يعودون إلي أعمالهم لتدور عجلة الإنتاج من جديد لينهض اقتصادنا مرة أخري. وحذر من تجاهل تلك المطالب مادامت حقوقاً مشروعة لأن ذلك سيزيد من الاحتقان، ولن يحل المشكلة خاصة في ظل أخبار الفساد المنتشرة هذه الأيام. ويشير إلي أن غياب النقابات العمالية التي كانت طوال الفترة الماضية ضعيفة ومستأنسة، كان أهم الأسباب التي أدت إلي الانفجار العمالي الذي يحدث الآن، بعد ثورة 52 يناير وشعور المواطنين أنهم لابد أن يطالبوا بحقوقهم في ذلك الوقت تخوفاً مما قد يحدث مستقبلاً. حقوق مشروعة ويقول د. محمد النجار أستاذ الاقتصاد بكلية التجارة جامعة بنها: بعد نجاح الثورة ظهرت فئات مختلفة من أصحاب المظالم في النظام القديم ووجدناهم يتمسكون بأهداب الثورة لإنقاذهم مما تعرضوا له وهذا حقهم.. ولكن التعبير عن الرأي إذا تم بطريقة عنيفة فهو غير مقبول. ويضيف د. النجار: لا توجد ثورة إلا ويترتب عليها خسائر اقتصادية علي المدي القصير، لكنها إذا نجحت تؤدي لنتائج اقتصادية رائعة في المدي المتوسط والطويل، فنجاح الثورة يقلل الفساد ويحد من التهرب الضريبي والتأخر في السداد نتيجة القوة الرادعة للثورة في مواجهة المخالفين والمتهربين، ولكن كل هذا لابد أن يتم في ظل نظام مستقر. وأكد د. النجار حق أصحاب المظالم في وقفاتهم الاحتجاجية لكن دون تعطيل للعمل وتوقف الإنتاج ولتكن الوقفة الاحتجاجية لمدة ساعة مثلاً.. حتي يتم سماع أصواتهم وتحقيق مطالبهم. ولكن يجب أن يدرك أصحاب المظالم أنه لن يتم الضغط علي الذر لتحقيق تلك المطالب.. فيجب إعطاء الفرصة للحكومة لكي ترتب أوراقها وتقوم بتلبية كل المطالب. اختيار القيادات ويشدد د. محمد المحمدي أستاذ الإدارة بجامعة القاهرة علي ضرورة أن يكون هناك اختيار دقيق للقيادات وفقاً للكفاءة وليس المحسوبية والقرابة، لأنه عندما يشعر العاملون بأن رئيسهم يتمتع بالنزاهة والمصداقية سيتخلون عن رغبتهم في التنفيذ الفوري لمطالبهم، موضحاً أن عدم قيام الممثلين عن العمال أعضاء النقابات العمالية والمهنية بدورهم ساهم بشكل كبير في زيادة موجة الانفعالية والعشوائية. ويطالب بضرورة أن تكون هناك شفافية ووضوح في التعامل مع تلك المطالب المشروعة، وأن تكون هناك بيانات واضحة تقوم علي التفاهم والحوار، والبدء في تنفيذها بشكل عاجل حتي يشعر كل فرد أنه يلقي اهتماماً من مرؤوسيه. المصلحة العامة أولاً ويقول محمود العسقلاني رئيس حركة »مواطنون ضد الغلاء« إنه تم تشكيل لجنة وطنية لحماية الثورة الهدف منها التحرك تجاه المظاهرات الفئوية ليتم إيقافها فكلها حقوق مشروعة جاءت نتيجة تراكمات لسنوات طويلة، ولكن تواجدها والوضع غير آمن يتسبب في حمل كبير علي الحكومة الجديدة. ويضيف محمود العسقلاني أن الفساد في العديد من المؤسسات الحكومية والشركات والهيئات متواجد بشكل تراكمي ومنذ سنوات طويلة جداً ولا يمكن بتره بشكل فوري، ولكن يجب التعامل معه بشكل قانوني وبسرعة ومحاسبة الفاسدين. وأكد العسقلاني مشروعية كل المطالب الفئوية، ولكن بالتحاور والإقناع وأن يتم تحديد جدول زمني لتحقيقها حتي يطمئن المحتجون.. لكن في نفس الوقت يجب ألا يتوقفوا عن العمل والإنتاج، بل يجب أن تزيد طاقتهم فنحن في مرحلة صعبة جداً تحتاج كل الطاقات حتي تكتمل هذه الثورة التاريخية.