مختلف كعادته، أراؤه قد تبدو صادمة للبعض، ولكنها منطقية، له رؤيته الخاصة لتحليل ما يدور حاليا في البلاد نابعة من معاصرته لمختلف العصور السياسية، انه الشاعر الكبير الخال عبد الرحمن الابنودي الذي ابدي أستياءه من تفتت شباب الثورة الي مجموعات وتكوينات مختلفة فكريا وسياسيا، ويتمني تلاقيهم في " بدن" واحد ليؤكدوا انهم القوة الوحيدة التي قامت بالثورة , بدلا من تهيئة الطريق للاخوان والاسلاميين لاختطاف مصر كما اختطفها الحزب الوطني قبل ذلك .. واكد الابنودي في حواره مع " الاخبار " ان الثورة لم يتحقق من اهدافها سوي 1٪ فقط، وان النظام لم يسقط ولازالنا واقفين علي ابواب الثورة، ويحذر من وجود محاولات "لتمييع " الثورة ليقال اننا ورطنا انفسنا ومصر، بعد ان كتب الشباب اروع القصائد بالتصدي لعصابات الحزب الحاكم في ميدان التحرير , وعبر عن غضبه عما يحدث الان في مصر من الضغط علي وتر الفتنة الطائفية , معتبرا انها احدي تجليات الحزب الوطني، وينصح المسلمين والمسيحيين بالتصدي لهذه المؤامرات التي تحاك ضد مصر . بداية.. كيف يري الأبنودي ثورة الشباب ؟ أعتقد أننا في إشكالية مركبة شديدة التركيب ممثلة في المسافة بين الحلم والاصطدام بصخرة الواقع فقد تخلصنا من كل دهون الماضي وأدرانه وما خلفه في قلوبنا ونفوسنا من قهر وإحساس بالعجز والقبول بالظلم والفساد لأننا لم يكن بمستطاعنا أن نقاوم وكنا علي حافة جرف هوة من اليأس ولم نكن نتخيل أننا سنستيقظ علي هذه الثورة لأننا كنا نفكر بطريقة فردية وكنا واقعين في حبائل فكرة النخبة الثورية والطليعة ولم يخطر ببالنا يوما أن تهب ثورة بلا طليعة أو نخبة وهو ما حدث، وهكذا رحنا نحتفل بذلك الحدث الذي تحدث عنه العالم بأنه من غرائب العصر السياسية واستمعنا إلي ما قاله رؤساء العالم وكان فعلا حدثا يستحق أن يشيد به العالم وأثر تأثيرا فريدا ودراميا في أرجاء الأمة العربية وأعاد الأمل للشعوب التي غمرها اليأس . التأمر علي الثورة بعد ان استطاع شباب 25 يناير اسقاط راس النظام .. ما هو تقييمك لمرحلة ما بعد الثورة ؟ بعد ان احتفي الجميع بالثورة وما حققته، وبعد ان ذهبت السكرة وجاءت الفكرة وجدنا قوي سياسية عديدة وعلي خرائط متسعة من المصالح الاقتصادية والفكرية تتأمر علي الثورة وتحاصرها بقسوة سواء عن ادراك وقصد او بحسن نوايا وعدم معرفة بسبب انعدام الخبرة السياسية علي مدار السنوات الماضية , واظننا الان نري بعين واحدة، فمن يسمونهم بفلول النظام السابق وهم ليسوا فلولا بل هم طبقة كبيرة "متينة " توحدها مصالحها الانتهازية والرغبة في مواصلة استغلال مصر واهلها، يقوم هؤلاء باطلاق جيوش من البلطجية لنشر الفوضي في الشارع المصري في محاولة لعمل ثورة مضادة . هل نجحت الثورة في تحقيق أهدافها ؟ رأيي قد يصدم البعض فالثورة لم تحقق بعد أكثر من 1٪ من أهدافها وأعتقد أننا لم نقم بالثورة بعد بل فتحنا الباب إليها ولم نلج إلي داخلها بجسارة وقوة والدليل أننا لم نحطم جهاز الدولة لنعيد بناؤه وهو القانون الأساسي للثورات . ولماذا ؟ لان الثورة لم يكن لها قيادة محددة ولا اقصد بالقيادة " الزعامة " انما نوع من اللجان المحكمة ولا اريد ان اقول حزبا، اذ يقوم بها حزبها وهذا لم يحدث ,فصارت الثورة شيئا نبيلا اجتهاديا، وهي كما ا حب ان أسميها ثورة انتصار الكم، التي شكل فيها ميدان التحرير وهوله شكل الانتصار قبل ان يحدث . ألا يكفي سقوط النظام ومحاكمة رموزه دليلا علي نجاح الثورة ؟ محاكمة عشرين أو ثلاثين من رموز النظام الفاسد ليست كافية فقد سقط الرئيس ودائرته _ ليسوا جميعا _ ولكن النظام الإداري والروتيني للدولة مازال قائما وكأن زاد سمكا وثقة أي أن النظام لم يسقط ولكن سقط " عرف الديك " أما الديك فمازال حيا قويا ويصدح بصوت عالٍ وعلي الرغم من ذلك تجد وسائل الإعلام تنطلق مؤكدة نجاح الثورة وأننا حققنا كل شيء ويجب علينا أن نعود إلي بيوتنا ويستعين التليفزيون بجمهور ممن يرددون ذلك كما استعان من قبل بمن رددوا تلفيقات الأمن وهجوم العصابات ليلهينا عما حدث ليلة 28 يناير تقصد أن الإعلام مازال موجها ؟ بالتأكيد فالمتابع الجيد للإعلام يجد أن الأمور لا تتم بأي شكل من أشكال التلقائية وإنما كل شيء مدروس فمازال الإعلام والتليفزيون خاصة يقاوم مقاومة واضحة وصريحة كل ما يوحي للناس بقوة هذه الثورة وأعتقد أن الإعلام ليس موجها فحسب بل أشعر بوجود تآمر كبير بوعي علي وعي الناس ومحاولة لتمييع صورة الثورة وأهدافها وكأننا ورطنا أنفسنا وورطنا مصر في هذه الثورة التي حركت كل الجموع العربية لتلفظ حكامها الذين يشبهون رؤساء العصابات. وما الذي أوحي إليك بذلك ؟ القرائن علي ذلك كثيرة وملموسة ولعل أوضحها امتناع التليفزيون المصري عن إذاعة قصيدتي " الميدان " التي عبرت فيها عن الثورة وشهدائها رغم تهافت الفضائيات الخاصة والأجنبية والجرائد بأطيافها علي نشرها وكذلك امتناع التليفزيون عن إذاعة أغنية " الشهيد " التي كتبتها تخليدا لذكري الشهداء وغناها المطرب علي الحجار فكيف تفسر ذلك والشهداء هم زهرات هذه الثورة والشيء الحقيقي الذي يشير إلي أن هذه الثورة حقيقية، فكيف يأخذ التليفزيون المصري هذا الموقف المعادي من الشهداء بينما تحتفي بهم جميع الفضائيات. "حرمانات" الجميع هل تري ان الوقت مناسب لظهور تلك المطالب الفئوية ؟ نحن الان نخوض في وحل تلك الملابسات، فهناك تحريضات أدت الي ان ينقلب العمال علي ثورتهم، وان يقوموا بتلك " العصيانات " التي تؤدي الي تعطيل الانتاج في كل مناحي الحياة الاقتصادية والادارية والتعليمية وكأن الدنيا سوف تنتهي اليوم، وكأن الغد لن يأتي، فانفجرت "حرمانات" الجميع في لحظة واحدة مريبة لتعطل عمل الوزراة التي ارتضيناها اخيرا ووافقنا عليها كحد ادني لحسن النية . كيف تقيم موقف القوي السياسية والدينية المتواجدة علي الساحة من الثورة؟ بعد تجسد ملامح نجاح هذه الثورة النبيلة استردت القوي الأخري وعيها وعلي سبيل المثال انظر إلي الاخوان واصحاب الاتجاهات الدينية وهم يقفزون بعيدا من المركب محتمين بأعدادهم وتنظيماتهم وكأن الثورة كانت تهيئ لهم الطريق وتمهده ليختطفوا مصر كما اختطفها من قبلهم الحزب الوطني وامن الدولة وفي الاختطاف لا تفرق بين اتجاه واتجاه آخر مخالف أو مناقض. هل تري ان هناك اصابع خفية تحاول العبث بوحدة مصر من خلال اشعال فتيل الفتنة الطائفية ؟ الفتنة الطائفية هي احدي تجليات الحزب الوطني ولن تحدث عن العلاقة التاريخية بين المسلمين والاقباط، فبمجرد الاعلان عن بناء كنيسة صول بأيدي المسلمين والتحقيق مع من هدموها كان لابد ان ينتهي التظاهر امام التليفزيون، ولكن استمراره لايام اخري يكشف عن يد تعبث بمصر، فمن حق المسيحيين ان يغضبوا لهدم كنيسة، كما يغضب المسلمون لهدم مسجد، ولكن إذكاء نيران الفتنة بعد انتهاء الازمة شئ يشي بأن هناك ايادي تعبث من خلف هذا الوطن , نحن في امس الحاجة مسلمين ومسيحيين للتصدي لكل المؤامرات التي تحاك ضد مصر فالانفراد بالمشكلات يشبه تماما التأمر علي اختطاف الثورة، فليس لنا وقت ولا " حيل " لهذه الامور، ولا يمكن ان ننكر ان لدينا من الاغبياء هنا وهناك ما يمكن ان يعرض البلاد لكارثة خاصة في هذه الظروف العصيبة، بعد توحد المسلمين والمسيحيين بصورة عبقرية في ليالي الثورة المباركة في ميدان التحرير. لديك تجارب مؤلمة مع أمن الدولة، هل تثق في تفكيكه وإعادة صياغة مهامه؟ أثق شديدا في اللواء منصور العيسوي وزير الداخلية وأراهن عليه ونادرا ما أفعلها فأنا أعرف الرجل وعلي يقين من نزاهته وشرفه فهو ذو بصيرة وحكيم وتعرض للاضطهاد بسبب نبل أخلاقه وانتزع من الداخلية لكونه رجلا لا يعرف إلا الحق ولذلك عندما يقول إنه ألغي جهاز امن الدولة وأعاد صياغة مهامه وأدواره فأنا أثق أنه فعل، ونحن نعلم تاريخه المشرف في الصعيد ودائما ما كنت أشبهه بالمهندس العظيم حسب الله الكفراوي في الحق فالاثنان علي درجة كبيرة من " الغشم الإنساني " ولا يخشون في الحق لومة لائم ويشبهان أحدهما الآخر حين يتحدثان .. أما عن تجاربي مع أمن الدولة فقد كنت نزيلا في غرف التحقيق، لقد عانينا كثيرا من ذلك الجهاز الذي مارس ألاعيبه الخبيثة حتي وهو ينهار عندما حاول أن يضرب المثقفين بعضهم ببعض والإعلاميين من خلال مستندات مزورة بعد أن أخفي مستنداته الحقيقية وأنا علي يقين أننا سنعثر عليها لنعرف أسرار من انتهكوا حرمات مصر وبددوا ثرواتها وآذوا أبناءها وحاصرونا بالخوف والتهديد والمطاردة . الدستور والكلفتة ما رأيك في التعديلات الدستورية ؟ لا أسميها تعديلات ولكن أسميها " كلفتة دستورية " وأعتبرها تآمرا جديدا علي الثورة فالثورة لا يمكن لها أن تقوم دون أن يتغير الدستور وهنا أتساءل من الذي صنع الدستور؟ أليسوا بشرا ؟ وبالتالي كان من الممكن إعداد دستور كامل وليس تعديل بعض مواده قام بترميمها مجموعة من فقهاء القانون وفق وجهة نظرهم وليس وفق وجهة نظرنا وبعد ذلك يطلبون منا الاستفتاء، وهل في إمكان الشعب المصري أن يستفتي بعد إنهاك مر به علي مدار نصف قرن ؟! ثم يستيقظ بعد ذلك وقد جاءنا الدستور برئيس فاشستي أو إمبراطور آخر يكون تشكيلاه وندور في نفس سواقي الفساد والاستعباد .. لقد قلت " لا " لفكرة عدم هدم الدستور القديم وإعادة بنائه ، إني أشم رائحة المؤامرة التي يشترك فيها الجميع وأحس أن أعداء الثورة بدأوا يترجمون عداءهم لها في مواد وقوانين من الصعب اقتلاعها بعد ذلك وحينها سوف أنصح الجميع بميدان التحرير. اي من الاسماء المطروحة علي الساحة حاليا , تري انه يصلح لرئاسة الجمهورية ؟ حاليا لا استطيع التفكير في رئيس للجمهورية قبل ان يتم حل مشكلة الدستور , ولابد ان ننتقل من خطوة الي خطوة وبثقة واحساس شديد بالراحة، واننا امناء علي هذه الامة وهذا الشعب، فلا تسألني الان من سيكون الرئيس والذي سوف يأتي به هذا الدستور الملئ بالعور، ومع ذلك فانا مؤمن بانتصار المصريين رغم كل مخاوفي . بعيدا عن السياسة .. ما تقييمك للمعالجة الأدبية والفنية للثورة شعرا وأغاني؟ أعتدنا دائما في الأحداث الجسام لهذا الوطن سواء أحداث الانتصارات أو الانكسارات أن يخرج جيوش من المواطنين يعبرون عن مشاعرهم في شكل أشعار وأغنيات بالفصحي والعامية وكأن الشعب بأجمعه تحول إلي شعراء ثم حين تهدأ الأحداث يعودون إلي مواقعهم ولا يبقي منهم سوي شاعران أو ثلاثة نفرح بهم لذلك لا يجب أن نبحث الآن في خضم هذه الهوجة الشعرية والغنائية عمن نطبق عليهم قوانين الإبداع القاسية التي نطبقها علي أنفسنا وعلي رفاقنا وإنما يجب أن نكون أكثر رفقا بكل من يقول كلمة طيبة في حق هذا الوطن لأنه تحكمه نية طيبة ومشاعر أحس بها فعبر عنها، أما الشعراء الكبار فكل حسب ارتباطه بهذا الوطن وبالهم العام فمنهم من صمت عجزا أو خوفا ومنهم من انتظر حتي يتنحي الرئيس وقال ومنهم من كتب أشياء مباشرة ذات رنين ينطفئ بعد قليل ومنهم من استجابت أشعاره للإحساس العميق في وجدان وعقل الأمة ولذلك لا أحبذ أن نحكم علي إبداعات الشباب و " العواجيز" إلي أن تستقر الأمور وتصفي المرحلة إبداعاتها بنفسها. ماذا عن شباب الثورة الان ؟ للاسف الشديد تفتت شباب الثورة علي شكل مجموعات وتكوينات فكرية وسياسية، ويذكرني ذلك جيدا بأمراض اليسار القديمة التي انهكته وجعلته كأنه غير موجود علي الساحة رغم تواجده، واتمني ان تتلاقي هذه التكوينات في بدن واحد لتؤكد انها القوة الوحيدة التي قامت بالثورة , لانها القوة الاكثر نقاء وحبا لمصر، وان كل الفرق الفكرية جاءت بعد ذلك، وليس من حق اي قوي او جماعة ان يركبوا ثورة ليست من حقهم . مصر الملهمة ما تعليقك علي ما يحدث الان في معظم البلدان العربية وفي مقدمتها ليبيا والبحرين؟ الثورة المصرية ملهمة لمعظم الثورات العربية، فمصر دائما كانت أم العالم العربي، وطليعته اذا صحت صحوا واذا فسدت فسدوا، فبمجرد ان استردت مصر وجهها المفقود قررت البلاد العربية ان تفعل ذلك، وقد فعلتها مصر وافلحت، ولكن في كل الحالات فإن لمصر مستوي حضاريا لا تنزل عنه في اشد اللحظات قسوة، فلم يكن لحسني مبارك واذنابه ولا للجيش المصري ان يقاتل شعبه، كما يحدث في ليبيا الان، من اغتصاب علني لشعب بأكمله وقتل رجاله وكأن القذافي هو المستعمر الايطالي، وكأن الشعب الليبي هو عمر المختار، فكيف انقلبت الادوار الي هذا الحد، وكيف اشتعلت النزاعات الفردية والمطامع الشخصية لدرجة ان يتأمر الرئيس وانجاله " الحلوين " علي اخواننا الليبيين، ولكن اؤمن بانتصار الليبيين قريبا. هناك نبرة تشاؤم نسبية نلحظها في حديثك .. لماذا ؟ اقوالي بها نسبة من التشاؤم لانني اعتدت الاعتماد علي وعيي الخاص واحساسي الذي ألهمني كل اشعاري والهمني ايضا رؤية لا استدينها من احد وانما هي ناتج معاناة واختبارات وتجريب وسجن و"قطع عيش " علي طول المسيرة، وارجو ألا يأتي اليوم الذي نحس فيه ان مصر نادمة علي ان قامت بثورتها في لحظة رائعة، لم يكن في حسبانها المحترفين واهل المنافع , الذين يستبدلون باعة بباعة اخرين ومستغلين بقوة اكثر استغلالا