داهمنا الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الكبار.. وذاق الناس مما فعلوا لعلهم يتقون، وما لبثت أن انفجرت البراكين والبلاغات تكشف عن مواطن الفساد بالجملة، وتكاثرت الأحاديث، واشتدت الأدلة، وتطايرت الاتهامات واتسعت دائرتها حتي طالت الجميع فلم ينجت منها أحد، وتناثرت شظايا الأخبار وأحيانا الشائعات حتي أصابت الكل، وانقسم الناس شيعا وأحزابا، فاحتدمت الشكاوي والبلاغات من كل صوب عميق، تستدعي ثلاثين عاما بالتمام والكمال، تطالب بفتح الملفات والقضايا، ومنها ما أسدل عنه الستار بأحكام قضائية باتة من محكمة النقض، يطالب أصحابها بإعادة فتحها من جديد وسط الزحام، بمقولة أن الاتهامات كانت خاطئة وأن القضايا والأحكام ملفقة، وتطالعنا كل يوم قرارات التحفظ.. والمنع من التصرف.. وقرارات الاتهام والإحالة!! وخلال هذه الظروف الصعبة، التي طالت الاتهامات خلالها الجميع، اشتدت الضوائق الاقتصادية والمالية بسبب التوقف عن الانتاج والعمل، واتساع دائرة المطالبات والاحتجاجات وممارسة الضغوط.. ووقفت الحكومة من كل ذلك عاجزة عن الدفاع عن موقفها، غير مالكة لقوة الإقناع بضرورة العمل واتباع الطرق المشروعة في المطالبات أو الشكاوي والتعبير، ومضت الحكومة تطلب السماح.. وتقدم الاعتذارات.. وباتت عاجزة أمام الضغوط الشعبية الهائلة، من بينها أصحاب حقوق اضطرارية ومؤجلة لسنوات!! ويبقي السؤال الذي يلح علي الجميع ويؤرقهم في ذات الوقت، ويضعهم أحيانا في حالة الاكتئاب والخوف علي مصالح البلاد والمستقبل.. فماذا بعد؟! الإجابة أيها السادة أنه لابد أن نبدأ وعلي الفور، ودون تراخ أو إبطاء علي طريق الإصلاح.. بمسارات متعددة للتصحيح، وأخذ العظة والدروس من الماضي الأليم بالنظر إلي التقدم للأمام.. والبعد عن الوقوف أمام التشفي والانتقام حتي ولو كان الماضي مريرا.. بعد أن علت أصوات الاتهام بالتخوين والتعميم، فأدي ذلك إلي الفرقة والانقسام بين الناس، وبعد أن تصاعدت الشكاوي والبلاغات التي لم تخل من الانتقامية أو الشهرة أو التشهير، لهذا فإن بداية الاصلاح والنجاح.. تبدأ بالدعوة إلي وحدة الصفوف والبعد عن الانتقام وإعلاء حسن النوايا.. وأصول البراءة.. وحتي تثبت الإدانة.. فليس كل المصريين خونة أو لصوصا حتي ولو كان منهم ساكن أو ساكت.. أو عازف.. أو سلبي أو حتي قريب بالنذر اليسير لكنه لم يكن فاعلاً أو شريكاً أو مسئولاً!! الإجابة أيها السادة بأن نبدأ وعلي الفور، ودون تراخ أو تأخر، بحذف سياسة »التأبيد« في السلطة أو الوظائف العليا لسنوات طوال.. تتجلط فيها الدماء، لأن طول الزمن يخلق »مراكز قوة« تساعد علي نشر الفساد واستغلال النفوذ والاحتكار والتسلط، لأن النفس بطبيعتها أمارة بالسوء، فمناصب الرؤساء.. والوزراء يجب أن تكون مؤقتة ولمدة أو مدد محددة حتي تتجدد فيها الدماء.. وترسخ لتداول السلطة.. والبعد عن التسلط في أي موقع لمسئول كبير أو البقاء لسنوات طوال!! علينا أيضا أيها السادة.. في باب الإصلاح ومحاصرة الفساد أن نهيئ المناخ وبغير تردد لجماعية اتخاذ القرار والبعد عن الاستئثار والتسلط والديكتاتورية.. ونزع الخوف- وباحترام- وخلق بيئة للابتكار والإبداع والمشاركة في الرأي واتخاذ القرار حتي يتدرب المرؤوس علي المشاركة في اتخاذ القرار.. ويقبل الرئيس مشاركة غيره وبغير تسلط، وفي كل ذلك تعميق لممارسة الديمقراطية بالمشاركة والرأي بالأدب والموضوعية! علينا أيها السادة وعلي الفور وبغير تردد، أن نشطب من قاموس اللغة والعمل تلك الأوصاف والعبارات والسلوكيات »للوساطة والمحسوبية« التي سادت لسنوات طال.. فأحدثت إحباطاً وكراهية وضغينة بين الناس.. بدءاً من الحق في الحياة والسكن وحق العمل.. حتي بلغت الوظائف المهمة حتي طالت الهيئات القضائية ذاتها بين أوائل الخريجين.. كما أحدثت الوساطة والمحسوبية أيضا الفوارق في المرتبات.. والحصول علي العطايا والمزايا والمنح بغير حساب حتي أصبحت شاهدا علي العصر، فترسخت في نفوس الناس وأحدثت ظلما اجتماعيا ونفسيا بسبب تلك الآفة اللعينة »الوساطة والمحسوبية«.. رغم أنها كانت واحدا من أهداف ثورة 2591 أي منذ أكثر من نصف قرن من الزمان.. ومع ذلك ظلت تلك الأوصاف والسلوكيات أشد مما كانت عليه من نصف قرن من الزمان!! لهذا كان علينا وعلي الفور أن نجفف منابع المحسوبية.. والوساطة.. لننشر مكانها مبادئ العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص للجميع. علينا أيها السادة وعلي الفور الكف عن بث الشائعات والفتن التي تنخر في جسد المجتمع فتصيب الناس بالإحباط بنشر الأكاذيب التي تثير الضغائن والرغبة في الانتقام، وأن نحفظ القيم ونستعيد أصالة الشعب المصري وعراقة أبنائه، بالعطف والرحمة والشفقة والتكافل، وأن نحفظ علي هذا الشعب وحدة صفوفه وألا نمزق أوصاله، خاصة أن نجاح الثورة، أي ثورة، تقاس بما يتحقق بعدها من صفاء وأمل وعمل، ولأن أي ثورة وبعد نجاحها، لا تحقق أهدافها إلا بوحدة الشعب وتماسكه وقوة إيمانه.. والتي تنبذ الخلاف والشقاق والانقسام بين أبنائه.