مع تنصيب الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب، وتأكيد تمسكه بسياسة »أمريكا أولا» خلال خطاب تنصيبه، انطلقت سيناريوهات عديدة من خبراء أمريكيين في الشؤون الدولية، تضع تصورات لما يمكن أن يشهده العالم من متغيرات عميقة الأثر في مختلف المجالات (بعضها ربما يكون ايجابياً وبعضها الآخر سلبيا)، إذا اتجهت تلك السياسة إلي نوع من العزلة الذاتية تفرضها الولايات المتحدة علي نفسها، وفق الرؤية التي عبر عنها ترامب في خطابه، الذي أثار - ربما - قدرا متفاوتا من الانزعاج في عواصم يرتبط بعضها بروابط وثيقة مع واشنطن ترقي إلي مستوي التحالف، ذلك أن هذه العواصم تعتبر الولايات المتحدة القوة العظمي الأولي التي لا منافس لها في العالم عسكريا، أو سياسيا، أو اقتصاديا، بالرغم من التوسع الصيني والتدخل الروسي في عدد من القضايا الدولية، بالإضافة إلي أن الولايات المتحدة تقف حجر عثرة أمام دول تسعي إلي التسلح النووي مثل ايران وكوريا الشمالية. ومنذ انتخاب دونالد ترامب في ختام حملته الانتخابية الشعبوية، تلوح في الأفق فكرة انعزال هذه القوة العظمي واتباع سياسة »أمريكا أولا». هذه الفكرة تبعث الارتياح في بعض الدول التي سوف تستفيد من انكفاء أمريكا علي نفسها، لكنها تلقي بظلال الرعب علي حلفائها الذين سوف يضطرون لتحمل كل أعباء الدفاع عن أنفسهم. ويمثل هذا نذيرا بنهاية النظام العالمي للتبادل الحر والأمن المشترك، الذي وضعت الولايات المتحدة وحلفاؤها ركائزه بعد الحرب العالمية الثانية، علي أسس الديمقراطية والحريات واقتصادات السوق التي تعتمد تحرير التجارة وزيادة حركة الرأسمال وسياسات ملائمة للرفاهية الاجتماعية، تدعمها ضمانات أمريكية لأمن أوروبا والشرق الأوسط وآسيا من خلال حلف شمال الأطلنطي »الناتو» وتحالفات أخري عديدة. وفيما يلي قراءة سريعة في 10 متغيرات يرجح حدوثها في العالم، في حال انسحاب أمريكا من الساحة الدولية : حرب في أوروبا ومنطقة اليورو التي تشهد حالة من التفكك، حيث تصويت المملكة المتحدة علي الخروج من الاتحاد الأوروبي في يونيو الماضي والاستفتاء الفاشل في إيطاليا حول الإصلاحات الدستورية في ديسمبر 2016، بالإضافة إلي ديون اليونان وأزمة المهاجرين. وقد يشهد عام 2017 فضلا عن ذلك صعود الأحزاب الشعبوية المتطرفة اليسارية أو اليمينية المناهضة لأوروبا إلي السلطة في فرنساوإيطاليا، وربما في أجزاء أخري من أوروبا. ونتيجة لوضع أوروبا غير المستقر في الفترة الأخيرة، بدأت روسيا في أنشطة توسعية علي الحدود الشرقية للاتحاد الأوروبي، خاصة في أوكرانيا. وبدأت الطائرات الحربية الروسية تحوم حول دول البلطيق،استونيا ولاتفيا وليتوانيا، ولكن لم تضم موسكو أي إقليم منها حتي الآن، نظرا لأن الولايات المتحدة مضطرة أن تخوض حرباً مع أي دولة تهاجم دول »الناتو» الذي يضم بلدان البلطيق الثلاثة. وبدون الدور النشط للولايات المتحدة في أوروبا، قد تتدخل روسيا في الشأن الأوروبي بروح انتقامية لاستعادة نفوذها في دول الكتلة السوفيتية السابقة. وفي حال تحرك الاتحاد الأوروبي لحماية حلفائه من »العدوان الروسي»، مع العلم أن روسياوفرنسا وبريطانيا تمتلك ترسانة ضخمة من الأسلحة النووية، ستكون حربا إقليمية كارثية تشعل ذكريات الحرب العالمية الثانية. سباق نووي في آسيا، حيث تحاول الولايات المتحدة علي مدي عقود أن تبني »مظلة نووية» تغطي أوروبا وكوريا الجنوبية واليابان واستراليا وأجزاء من الشرق الأوسط، لتوفر لحلفائها الشعور بالأمان دون الحاجة إلي الحصول علي أسلحة نووية، في محاولة منها لتجنب حدوث حرب نووية في المستقبل. وفي حال أزاحت أمريكا »المظلة النووية» عن تلك المناطق، وشعرت هذه الدول بالخطر، سوف تتسارع إلي انتاج أسلحة نووية، أي حرب باردة وسباق تسلح نووي. اختفاء القوة الناعمة الأمريكية.. بعد أن كان يتهافت الجميع علي شراء المنتجات الأمريكية ومشاهدة الأفلام الأمريكية وقراءة الروايات الأمريكية، والحلم بقضاء العطلة في عالم ديزني، ويردد الجميع القيم الأمريكية حيث حقوق الإنسان والديمقراطية وحرية التعبير، سوف يتجه العالم إلي الشيوعية الصينية، ويتعلم المراهقون الأمريكيون لغة الماندرين (الصينية) بدلا من اللغة الانجليزية. تهديد أمن واشنطن.. في 2016 تمكنت الولايات المتحدة بالتعاون مع المانياوفرنسا وبريطانيا من إحباط الكثير من الهجمات الإرهابية بفضل تعاون أجهزة المخابرات في تلك الدول. وتعتمد واشنطن بنسبة من 80-90% علي أجهزة مخابرات صديقة في حماية أمن مواطنيها في الداخل والخارج. وإذا انطوت أمريكا علي نفسها، سيخرج أعداؤها في سورياوالعراق وأفغانستان والسودان ونيجيريا وباكستان وكوريا الشمالية من المخابيء، وسيكون أحب شيء إلي قلوبهم قتل حفنة من الأمريكيين في أعمال انتقامية مروعة. وفي الوقت الذي تحاول فيه أمريكا الهروب من مشاكل العالم، سوف تجد مشاكل العالم داخل دارها. الصين قادمة.. هي ثاني قوة اقتصادية في العالم بعد أمريكا. ويتوقع الصينيون أن تتصدر الصين الاقتصاد العالمي خلال العام الحالي بعد انكماش الأسواق الدولية علي إثر أزمة الديون وانحسار المنافسة عن العديد من الاقتصادات القوية، ويعزز وضع الصين أنها أنهت عام 2016 بمعدل نمو بلغ 6.7 %. تجنب حرب مع الصين.. هناك منطقة تعتبر أكثر خطورة من منطقة البلطيق هي بحر الصين الجنوبي الذي تطالب بكين بالسيادة عليه، حيث تمر عبره تجارة بحرية يبلغ حجمها خمسة تريليونات دولار سنويا، وتتنازع الصين وبروناي وماليزيا والفلبينوفيتنام وتايوان المطالبة بالسيادة علي مناطق بالبحر. وتنذر نشاطات الصين الأخيرة في المنطقة المتنازع عليها بنشوب حرب بينها وبين الولايات المتحدة نتيجة للمواجهات المتكررة بين القوات البحرية والجوية لكل منهما في بحر الصين الجنوبي، أو في حال تدخل واشنطن والاتحاد الأوروبي لصالح فيتنام أو الفلبين ضد بكين، حينها ستنضم روسيا للصين، وتندلع حرب بين قوتين عظميين، أي حرب عالمية ثالثة. إذا تخلت واشنطن عن حلفائها الآسيويين، فقد لا تملك هذه الدول خيارا آخر إلا الانبطاح أمام الصين. توفير مليارات الدولارات.. أنفقت الولايات المتحدة 601 مليار دولار علي نشاطاتها العسكرية في 2015، أي بما يوازي ميزانية 7 جيوش : الصين وروسيا والسعودية وبريطانيا والهند وفرنسا واليابان، في حين أنها لا تنفق نصف هذا المبلغ علي التعليم. ومن ثم ستوفر هذا المال وتعيد توجيهه إلي الاقتصاد الأمريكي، وإنقاذ الأجيال القادمة من الدين الحكومي. لا مزيد من الحروب الخارجية المكلفة.. خاضت الولايات المتحدة حروبا خارجية، كبدتها خسائر فادحة،، فحرب العراق وحدها كلفت واشنطن 2 تريليون دولار، ومقتل 4500 جندي وإصابة 32 ألفا، بخلاف قتل 500 ألف عراقي. وتسببت حروب أمريكا خاصة بمنطقة الشرق الأوسط في تشويه صورتها خارجيا وإحداث انقسام داخلي. وهنا لا تبدو فكرة الانعزال سيئة تماما. اتحاد أوروبي جديد.. اعتمد الاتحاد الأوروبي لعقود علي أمريكا في حمايته، بينما انشغل بنزاعاته الداخلية. وإذا تخلت الولايات المتحدة عن أوروبا وانسحبت، سوف ينتج عن ذلك كارثة كما ذكرنا من قبل، ولكن علي صعيد آخر سيسفر »انعزال أمريكا» في المدي البعيد عن اتحاد أوروبي جديد أكثر وحدة وتماسكا للوقوف أمام العدو المشترك المتمثل في روسيا والإرهاب. الاهتمام بالشأن الداخلي.. في النهاية، إذا كانت الإدارة الجديدة جادة في تطبيق سياسة »أمريكا أولا»، فسوف تغير استراتيجية الولايات المتحدة لتتجه صوب الانعزال والأحادية وملاحقة المصالح الوطنية للبلاد وحسب. ومن ثم تصبح مصلحة المواطن الأمريكي في المرتبة الأولي، بعد عقود من اهتمام الحكومة الأمريكية بأوروبا وآسيا علي حساب مواطنيها. • إيمان مصيلحي