ما يجري في السياسة العالمية اليوم لا يكاد يصدق.. لكن. هذه هي السياسة. والمثال الأوضح هو الصراع الأمريكي الروسي. القوتان تتصارعان وتتعاونان في سوريا مثلا في آن واحد. الاتصالات بينهما لا تكاد تنقطع. لا يمر أسبوع دون محادثة هاتفية أو أكثر بين وزيري خارجيتيهما.. كيري ولافروف. والتنسيق يتم علي مستويات أخري. أقل. أو أكثر. وتبادل طرد الدبلوماسيين من سفارتي البلدين أيضا. في واشنطن وموسكو علي خلفية عمليات تجسس. وقد بدأ التوتر يأخذ منحني تصعيديا في الأسابيع الأخيرة. خاصة من جانب الولاياتالمتحدة التي تجر وراءها أوروبا. علي غير رغبة بعض دولها أو تحفظاتها. والتصعيد بدأ يأخذ شكل الحصار الاقتصادي والعسكري.. والتحرش أيضا لاستفزاز الدب الروسي وايقاعه في فخ مواجهة. أمريكا وأوروبا تجددان العقوبات الاقتصادية المفروضة علي روسيا إلي آخر العام الحالي أو حتي تعدل موقفها من الجماعات الانفصالية التي تدعمها في شرق أوكرانيا. تحرشات عسكرية من جانب حلف الاطلنطي عند تخوم المياه الروسية في البحر الأسود وبحر البلطيق مع الاتفاق علي نشر قوة عسكرية في دول البلطيق لمواجهة عدوان روسي محتمل. حائط صواريخ أمريكي في كوريا الجنوبية بحجة حمايتها من تهديدات كوريا الشمالية واسلحتها النووية وصواريخها الباليستية. وهو في الواقع لاستكمال حلقات الحصار أو الطوق العسكري الغربي حول روسيا. والذي بدأ في أوروبا بحائط الصواريخ الأمريكي في بولندا. والذي قيل. عند إنشائه إنه موجه ضد إيران..! وقد أعاد الغرب اعتبار روسيا تمثل "تهديدا" بعد أن كان قد اعتبرها "شريكا" وضمها لمجموعة الدول السبع الصناعية الكبري لتصبح مجموعة الثمان دول.. ثم استبعدها بعد أحداث أوكرانيا. لكن بوتين مازال محتفظا بهدوء نبرته في مواجهة كل هذه الضغوط. ومازال يتحدث عن "شركائنا في الغرب. وإن كان قد هاجم تمديد العقوبات الاقتصادية كما اتهم الولاياتالمتحدة وحلف الاطلنطي بمحاولة استدراج روسيا إلي سباق تسلح "بلا جدوي.. وبلا أفق". لكن من المحتمل أن تدفع زيادة الضغوط. خاصة العسكرية من جانب حلف الاطلنطي الرئيس الروسي إلي التحالف مع التنين الصيني الذي يرفض بدوره حائط الصواريخ الأمريكي في كوريا الجنوبية ويعتبره تهديدا لأمنه. كما يرفض التدخلات البحرية الأمريكية في بحر الصين الجنوبي. وأن يحاول الرئيس الروسي اللعب علي التناقضات الأوروبية الحالية. خاصة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. ومعارضة أكبر دولتين أعضاء في حلف الاطلنطي وهما فرنسا وألمانيا لأي استفزازات عسكرية للحلف تجاه روسيا.. ثم عودة العلاقات الروسية التركية إلي طبيعتها. العالم يستعد لحرب باردة جديدة.. ينكرها الجميع علنا. ويمارسونها سرا.