بالرغم من أن الحقائق والأسرار معروفة منذ وقعت الكارثة وتم الغزو الأمريكي البريطاني للشقيقة العراق، التي شهدت أبشع وأخطر جرائم التدمير والقتل وتشريد الملايين، إلا أن ما انتهت إليه لجنة التحقيق المنبثقة عن البرلمان البريطاني من إدانة صارخة لرئيس حكومتهم الأسبق «توني بلير»، وكشف واضح لدوره الأثيم في المأساة العراقية: صدم العالم وكأنه يسمع عن ذلك لأول مرة! كما أن «بلير» الذي احتاج إلي 13 عاما ليعترف ويعتذر يعرف أنه لن يدفع وحده الثمن الباهظ للجريمة النكراء، صحيح أنه كما قالت صحيفة «واشنطن بوست» قد لطخ إرثه السياسي للأبد، وصحيح أنه يسمع ويقرأ ويتابع المطالبات البريطانية بمحاكمته هو وشريكه «بوش» خاصة أن جنودا وضباطا بريطانيين كانوا من بين الضحايا، إلا أنه يتصور أن الأمور سوف تنتهي عند ذلك الحد ثم تدخل القصة برمتها أدراج النسيان العالمية لأنها تضع حبل الاتهام حول رقبة شريكه وصاحبه جورج بوش الابن وطبعا لن تسمح أمريكا للأمم المتحدة باتخاذ أي قرار لا تقبله واشنطن! والسؤال الآن: هل نكتفي نحن بالإعراب عن سعادتنا «بتقرير تشيلكوت» الذي حمل إدانة بلير برلمانياً وشعبياً، هل نقيم الأفراح والليالي الملاح لأن «بلير» و«بوش» قد تكشفت جوانب وتفاصيل جريمتهما النكراء، واتضح للعالم كله أن حجتهما لغزو العراق لا أساس لها من الصحة، وأن الدولة الشقيقة لم يكن لديها أسلحة دمار شامل ولا حتي أسلحة تقترب منها، وأن «صدام حسين» شخصيا لم يكن يمثل خطراً داهما علي العالم كما صوروه «بالرغم من أن علاقات طيبة كانت تجمع بينه وبين أمريكا!» ثم هل نقبل بخدعة بريطانية أمريكية جديدة فنصدق ما قاله «بلير» (المعتذر والمعترف بجريمته) من أن صدام كان خطراً محتملا (كيف؟! لا يهم.. مادامت تلك قناعة المجرم المعتذر) والمثير للدهشة والاحتقار أن ذلك هو ما ردده أيضا المجرم الأول «بوش»، الذي مازال يملك من البجاحة والوقاحة ما يجعله يقول تعليقا علي تقرير البرلمان البريطاني: «إنه مازال مقتنعا بأن العالم أفضل حالا بدون الرئيس العراقي صدام حسين»، ويضيف بنفس البجاحة والوقاحة أنه ممتن وشاكر لعمل القوات الأمريكية والبريطانية خلال الحرب التي قضت علي الأخضر واليابس، وحطمت الدولة البريئة وقتلت وشردت الملايين من أبنائها. وبالمناسبة لو أن «بوش» هذا تعرض للمساءلة والإدانة من قبل البرلماني الأمريكي كي يلحق بذيله البريطاني «بلير» لن يعترف بالسبب الحقيقي الذي يكمن وراء جريمته وهو انتماؤه للمسيحية الصهيونية التي يقودها «مجلس إدارة العالم الخفي (الماسوني)»، وأنه بالتالي يعشق الفكر التدميري خاصة لو كان يستهدف العراق وأية دولة عربية تمثل خطراً علي العزيزة الغالية «إسرائيل»! والمثير لمزيد من الدهشة أن «بوش» ومعه ذيله «بلير» لن يعترفا بأن غزو وتدمير العراق أدي بشكل مباشر إلي ظهور تنظيم داعش الإرهابي الذي يمتد خطره إلي كل دول العالم. ونعود إلي سؤالنا الضروري وهو ماذا نحن فاعلون؟ وكيف نستثمر تقرير البرلمان البريطاني وما نشرته وتنشره الصحف ووسائل الإعلام الدولية من فضح وإدانة للسيد «بلير» ومعه طبعا صاحبه وقائده «بوش». إنني أري أنه لا بديل عن التحرك «الشعبي» العربي الواعي بالدعوة إلي محاكمة عاجلة للقاتلين «بلير» و«بوش» أمام المحكمة الجنائية الدولية خاصة أننا نملك إلي جانب تقرير «تشيلكوت» اعترافات مهمة بخطأ وخطيئة الغزو الأمريكي البريطاني للعراق، وهذا ما قاله مثلا الرئيس الأمريكي الحالي «أوباما»، وما قاله المرشح الجمهوري القوي «ترامب»، وما قاله ضمنيا رئيس الحكومة البريطانية الحالي «كاميرون». صحيح أن دولا عربية وشخصيات عراقية هيأت للأسف الظروف والإمكانيات للقوات الأمريكية والبريطانية في غزوها التدميري للعراق، إلا أن هؤلاء «دولا» وأفرادا يملكون ما يبرئ ساحتهم ويتيح لهم فرصة تعويض فعلتهم بأن يعلنوا أنهم تعرضوا للخداع الأمريكي البريطاني بأن صدام لديه أسلحة دمار شامل سيكونون هم أول ضحاياها، وهكذا يمكن لهؤلاء أن ينضموا إلي التحرك الشعبي العربي الشامل الذي سوف يقوده البرلمان المصري، بالمطالبة بتقديم جميع المسئولين عن الغزو المشئوم وعلي رأسهم «بوش وبلير» للمحكمة الجنائية الدولية باعتبارهم مجرمي حرب، إلي جانب تكليف لجنة دولية بحصر الخسائر المادية والبشرية والاقتصادية والسياسية والنفسية التي تكبدها العراق منذ الغزو. بذلك وبذلك فقط نقول: «لقد فرحنا ورحبنا بتقرير تشيلكوت، وجاء أوان الحساب والعقاب كما نراه.. ولن نتخلي عنه!».