لا أعرف لماذا قفزت هذه النكتة القديمة من آخر نقطة في الذاكرة، لتستقر أمام عيني وتطن في اذني باصرار عجيب، رغم انني سمعتها قبل أكثر من 52 سنة! »هبط رجل في أحد المواني، فالتقاه قواد محترف، وبدأ في عرض ما لديه من بضاعة، فهذه صفاتها كذا وكذا، وتلك ميزاتها كيت وكيت، و... و.... وبالقطع فالاسعار تتناسب مع مواهب كل واحدة، فرغ صبر الرجل فقال للقواد: ألا توجد في بلدكم امرأة شريفة، رد بسرعة: نعم، لكنها سعرها غالي جدا«! النكتة تقطر مرارة، علي طريقة شر البلية ما يضحك، واظن ان الذاكرة فرضتها علي اللحظة الراهنة، بسبب طوفان الفساد الذي اجتاح كل شيء، وفضح اسماء وأصحاب مناصب، بل ومؤسسات بأكملها، حتي اهتزت الصور، وانهارت المعايير، وتهاوت القيم والمُثل التي كان يحلو للفاسدين التحصن بها وادعاؤها أمام الكاميرات، وفي المحافل العامة، لكن ما كان يجري في الخفاء يختلف تماما، حتي اولئك الذين لم يأبهوا بما يقال أو ينشر، وبلغوا من الفُجر مبلغا غير مسبوق، فإن ما تكشف من حجم فسادهم فاق كل خيال وأي توقع! وبالقياس علي النكتة التي تستدعي الدمع مع البسمة، فإن السؤال المنطقي بعد كل ما رأينا وسمعنا: ألا يوجد في هذه الطبقة، وبين صفوف من حكمونا ثلاثة عقود انسان شريف؟! حتي ذلك الذي صدع رؤوسنا كثيرا بالحديث عن أن الفساد في المحليات وصل إلي الرُكب، فإن فساده وفساد من كانوا يحمونه، ومن كان يحميهم تجاوز ما فوق الركبة بكتييييير!! لقد ارادوها »ماخورا«! يا إلهي.. هل مصر كلها ضحية كابوس واحد؟ هل غفونا أو ادركتنا الغفلة أكثر مما ينبغي فكان ان استيقظنا علي كابوس كارثي اسوأ مما عاني منه أي مصري، ولو كان قد بلغ من العمر عتيا؟! من كان عليه ان يحرس أمن مصر ويضمن أمان المصريين، كشفت ملفات الفساد انه كان اقرب إلي تزعم اخطر عصابات المافيا! الرجل الذي قال البعض انه قدرنا إذا لم نكن قدره، لم يكف عن ان يعيرنا بفقرنا، فاذا به وعائلته، و»الاضيشه« اعتبروا البلد »نهيبة« بلا صاحب!! اولئك الذين كان مناطا لهم مساعدة ولي الأمر، انقسموا بين ناهب بلا رحمة، أو مخرب للاقتصاد بل للبشر والمستقبل حتي يكاد الشيطان ان يعتبر نفسه تلميذا خائبا في مدرسة ارحمهم، اذا كان منهم من يعرف للرحمة ابسط معانيها، وكان بينهم من بلغ انحرافه حدا فاق معتادي الاجرام، وربما كان اخطرهم الذين آلوا علي انفسهم تدمير العقول وافساد الضمائر، ونشر الاحباط واليأس، وتوزيع الظلم.. ب »العدل«!! فساد النخبة يكاد ألا يستثني احدا، حتي ان الشك والضبابية وانعدام اليقين أصبح اكثر ما يتهدد مستقبل مصر، لان الناس اكتشفت ان لمعظم أصحاب القامات العالية ثمنا، وان من لم يبع شرفه ومبدأه بالمال، فالسلطة تكفيه، فإذا لم يكن هذا ولا ذاك فالملذات جاهزة، وعلي أي حال فسيف السلطان وذهبه، وعصاه وجزرته أدوات قادرة علي ادارة الرؤوس كما عباد الشمس، أو بمقتضي الحال المال والسلطة والملذات، الطرق الملكية لجحيم الفساد الذي يكاد يشعل مصر!! ارحمنا يا الله [email protected].