ربما يكون هذا الكاتب الغربي الوحيد الذي استبق الحدث الجلل الذي هز العالم، وتنبأ بثورة 25 يناير قبل وقوعها بوقت طويل، من خلال رحلة بحث مضنية تحمل قراءته للواقع، واستقرائه للمستقبل المنظور.. صحيح، هناك كثيرون غيره تنبأوا، إلا أنه أصدر كتابه الذي فاجأ به العالم قبل عامين، وتنبأ فيه بثورة جديدة في مصر تخسر فيه أمريكا هيمنتها علي أكبر دولة عربية ومن ثمَّ علي الشرق الأوسط . في الكتاب الذي يحمل بعنوانا يقرأ : "داخل مصر: أرض الفراعنة علي شفا الثورة"، يقول كاتبه الصحفي الانجيلزي الشهير جون برادلي الخبير في شئون الشرق الأوسط إن مصر أصبحت في انتظار "ثورة مضادة" لثورة الضباط الأحرار التي شهدتها مصر في يوليو عام 1952 ? وسيتمكن من خلال ثورته من تصحيح أخطاء ثورة يوليو . ويصف الكتاب، مصر بأنها " أكثر دولة عربية يشيع فيها التعذيب والفساد.. وتنشغل فيها عائلة الرئيس بحل أزمة الخلافة. بينما الإسلاميون، الذين تم تأديبهم، ينتظرون في الكواليس بفارغ الصبر من أجل فرصة للحصول علي السلطة". ويشير برادلي إلي أن : " الإخوان المسلمين نجحوا في إعادة تأهيل جماعتهم في السبعينيات، عندما كان الاقتصاد المصري يعاني بقسوة، مما جعل السعودية منطقة جذب للعديد منهم، الذين هاجروا إليها للعمل في قطاع النفط،، حيث أطلعوا هناك علي الإسلام الأصولي، ثم عادوا إلي مصر مفعمين بالحماسة الدينية لتغيير المجتمع الذي أفسدته التعاليم الغربية" . ويصف برادلي في كتابه، الذي صدر عن دار نشر " بالجريف ماكميلن " في 242 صفحة، وصدر في الولاياتالمتحدة في الخامس من أبريل عام 2008 المجتمع المصري بأنه بدأ في "التحلل والذوبان ببطء" بسبب : "عاملين توأمين هما ديكتاتورية عسكرية قاسية، وسياسة أمريكية فاشلة في الشرق الأوسط". ويقع الكتاب في ثمانية فصول هي : الثورة الفاشلة، الإخوان المسلمون، المسيحيون والصوفيون في مصر، البدو وسيناء، التعذيب، الفساد، ضياع الكرامة في مصر، ومصر بعد مبارك. ويتصدر الكتاب عبارات قليلة للمؤلف المصري علاء الأسواني صاحب رواية عمارة يعقوبيان بالانجليزية يقول فيها إن جون برادلي هو كاتب يبحث عن الحقيقة في بلاد عربية يحكمها طغاة وان "كتاباته جريئة وضرورية من أجل فهمنا للحقيقة خلف الصورة المزيفة الحكومية لمجتمعاتنا". ويكتب المؤلف عن لقاءات له في مقهي "الندوة الثقافية" بباب اللوق والذي يجمع الليبرالين من المفكرين والمثقفين المصريين. ويذهب الكاتب في كتابه الي وصف المعارضة المصرية بأنها "متواطئة" مع النظام الحاكم، وتتخبط معه بلا هدف . ويقول برادلي إنه ورغم بعض النجاحات الاقتصادية إلا السواد الأعظم من المصريين لم يستفد من عوائدها، التي اقتصر توزيعها علي المقربين من نظام مبارك، مما يزيد من تنامي مشاعر الغضب ضد النظام، وتحوله إلي بالون يتمدد، ولاطاقة لأحد وأولهم مبارك نفسه للحيلولة دون انفجاره . يقول برادلي إنه ومن خلال زياراته المتكررة لمصر : " رأي عشرات الملايين يتم ضخها لإقامة شبكات كهرباء متطورة، ومياه شرب تلتزم معايير السلامة الصحية، وصرف صحي علي أعلي مستوي، فقط من أجل القري السياحية والفنادق الفاخرة، التي يستخدمها السياح الأجانب والأغنياء المصريون فقط، بينما حين يموت آلاف المصريين كل عام نتيجة تلوث مياه الشرب التي تضخها حكومة مبارك إلي منازلهم ". ويقول المؤلف : " إن حزب مبارك الديمقراطي الحاكم ليست له صلات حقيقية بالناس، وليس له حتي وجود حقيقي في الشارع، وأن نظام مبارك لا يمتلك الخصائص التي أبقت السوفيات أو الحزب الاشتراكي الصيني في الحكم، فليس لدي الحزب أي سبب في الوجود سوي التشبث بالسلطة، ومع غياب أي نوع من الشرعية فإن ما يبقيه في الحكم هو التخويف، والترهيب، حيث كان يقوم بنشر ثقافة الخوف بين شتي طبقات المجتمع، ومن أعلاه إلي أسفله، في الوقت الذي كان يغذي فيه الفتنة بين المسلمين والأقباط ". ويقول برادلي إنه : " من بين العوامل التي ستعجل بانفجار الثورة الغضب الشعبي لرؤيته رجال أعمال مصريين - متفرنجين - يسرقونه تحت مسمي تحرير الاقتصاد وفتح البلاد للاستثمار الأجنبي". وقال برادلي :" كل هذا يذكرنا بإيران في الأيام الأخيرة للشاه". وقال الكاتب ان الولاياتالمتحدة تلعب دورا أساسيا في رسم السياسات الداخلية المصرية الحالية " تماما كما تحكم الانجليز في الخزانة المصرية وتدخلوا في قرارات الحكومة، وكان لهم وجود عسكري". وكان برادلي قد أعلن - وقت صدور الكتاب - أن ناشره أبلغه بأن الجامعة الأمريكية في القاهرة أوصت علي 50 نسخة من كتابه لكنها ألغت الطلبية بعد ذلك بساعات، بعد أن أبلغتها أجهزة الرقابة المصرية أن الكتاب ممنوع في مصر.