من المعالم المهمة جدا في لندن والتي لابد انه يشاهدها الزائر كأحد معالم المدينة نوبة تغيير الحرس وكم مرة حرصت علي مشاهدة هذا الطقس اللندني خصوصا حينما كان اولادي صغارا وكان تغيير الحرس مثيرا جدا لانهم كانوا بقبعاتهم المرتفعة ذات الفراء الاسود وملابسهم الحمراء تصبح اكثر اثارة مع تحركاتهم مثل الانسان الآلي هنا نحو اهمية البوليس. وفي باريس عند زيارة »الانڤاليد« وهو مقبرة نابليون بونابرت يتحرك الحرس يحيون الامبراطور وكأنه يمر امامهم هنا نري احترام الشرطة، اما في هولندا فامام مقر الملكة يقف الحرس ويوزع عليهم الصغار الحلوي وهي عادة هولندية يتعلم فيها الصغار احترام جندي البوليس وحبه. وفي مدينة هايدلبرج في المانيا توجد قلعة قديمة بها انشطة كثيرة من اجملها مكان اطلقوا عليه جنة الاطفال حيث يوجد شخوص الحواديت القديمة والتي يحركها الصغار بوضع العملات في اماكن حصينة فتتحرك شخوص الحواديت وهناك يقف جنود الحراسة وعند انتهاء نوبتهم يلعبون مع الصغار ويتركون لهم صفاراتهم ويأخذ الصغار الصور معهم ويرتدون قبعاتهم.. هنا يذوبون في الشعب. اما عندنا في مصر فقد كنا لا نبدل ملابسنا في المواسم إلا مع العساكر.. نشتي عندما يرتدون حللهم السوداء.. ونصيف حينما يرتدون حللهم البيضاء علامات حب دائمة. اما اجمل لعبنا فكانت لعبة »عسكر وحرامية« وكان ابني احمد وهو طفل حينما نسأله: عاوزتبقي ايه لما تكبر؟ وكان ولوعا بالسيارات فيقول بسرعة: عسكري مرور علشان أوقف كل العربيات!! وحينما كان اولادي صغارا حفظ صوتي واسمي كل عساكر النجدة فقد كنت استدعي الاطباء بالنجدة حينما يصعب الاتصال بالاطباء.. هل هذا يحدث إلا بالحب؟ اما عساكر العسس مساء فكانوا اصدقاءنا نحن السهيرة فنعود إلي بيوتنا بعد منتصف الليل وقد تركنا الاولاد نائمين في رعاية المربية ونعود مطمئنين لوجود عسكري الدورية. لقد تذكرت كل ذكرياتنا مع الشرطة وكل علاقتنا الحميمة بهم حيث كنا نحس بالاسي لانتقال عسكري الدورية الذي احبه الاطفال واصبح جزءاً من نسيج المجتمع ثم نتعرف علي العسكري الجديد ونبادله الحب. تذكرت كل ذلك حينما اصابت هذه العلاقة عطب عابر عند انطلاق ثورة الشباب في 52 يناير.. تذكرت هذه العلاقة الحميمة وانا اتأمل الشباب وامامهم صفوف جنود الامن المركزي بقبعاتهم الفولاذية ومنها يتدلي الجزء الشفاف الذي يحميهم وكأن الناس غيلان سوف تأكلهم!! ثم حدث الانفلات الامني المتعمد والذي كاد يعصف بمصر وتصرف الشرطة باوامر عليا وهم »يصعبون علي الكافر« في وقفتهم متربصين وكأنهم منومين مغناطيسيا وهم عبدالمأمور وتأملت ما حدث في بلادنا في العشر سنوات الاخيرة التي زادت فيها الاضرابات والاحتجاجات والاعتصامات سواء امام نقابة الصحفيين أو امام مجلسي الشعب والشوري في شارع قصر العيني.. مدرسة جديدة من مدارس تربص الشرطة بالناس وعدم وجودهم في حالة الترهيب.. ويعلم الله كم كنت اتألم من اجلهم وعرباتهم الصفحة المخيفة تكبس علي انفاس الناس بمنظرها الرهيب هؤلاء الجنود الذين لا حول لهم ولا قوة.. وجاءوا من قراهم يحدوهم الامل في رؤية القاهرة وغيرها من المدن ولكنهم يصبحون مثل الدمي الشريرة المظهر الطيبة القلب يتحركون بأوامر وقد اصبحوا جزءا من منظومة امنية كل همها حماية الكراسي حتي انني كتبت منذ ثلاث سنوات في جريدة »الوفد« مقال بعنوان »مصر بين الأمن القومي والأمن الغذائي وأمن الكراسي« وتفوق زمن الكراسي ولانه امن كراسي فالخوف ليس من شخص معين ولكن من الشعب كله حيث تمتعت قلة بكل خيرات الحياة ليس المال فقط ولكن الحرية التي اخذت من 99٪ لتصبح حكرا علي 1٪.. وحتي الهواء والماء الذي روي ملاعب الجولف!! اصبحت العلاقة بين البشر في مصر وبين الشرطة وهي علاقة متصلة بالحياة اليومية.. وبعد ان ارتفعت المخالفات اصبح العسكري بعبع الناس حتي ممن مثلي راكبي التاكسيات فانا اخاف حتي لا يأخذ مخالفة فانظر للعسكري نظرة رجاء بان يفلت السائق من العقاب المادي. وهكذا اصبحت مدرسة وزير الداخلية الذي يحاسب الآن امام القانون مدرسة مسيطرة من اعلي إلي اسفل واختفي من شارعنا عسكري العسس منذ سنوات وتعرضت للسرقة اكثر من مرة وكان اخرها سرقة الكراسي من الحديقة!!! قلت حلال ع الغلابة.. اصبح هناك تركيز علي التواجد الأمني حول انشطة الدولة حتي كرهنا الذهاب إلي الانشطة الرسمية للوقوف بالساعات والبعد عن اماكن الانشطة ثم الانتظار مثل حضور الرئيس أو حرمه ثم الانتظار حتي تصل سيارتهم إلي القصور.. سئمنا هذه الاجتماعات والتي كنا نراها في التليفزيون ونحن في بيوتنا مرتاحين.. ونقلب علي قناة اخري. الغريب ان الضباط والجنود خضعوا لقهر يفوق قهر البشر العاديين لانهم ينفذون اوامر ربما كانت ابعد ما تكون عن طبيعتهم.. كان كثير من الضباط يحبونني ويتعرفون عليَّ ويتضح ان صورهم نشرت في باب الاطفال الذي كنت احرره في الاخبار حتي عام 5002 اجدهم مبتسمين ومرضيين وطيبين ولكن الاوامر تغير من البشر. ان خوف الحكام يصل إلي قلوب المحكومين ولكننا لو فكرنا جيدا في القهر الذي وقع علي الشرطة في الاعوام الخمسة عشر الاخيرة لحمدنا الله علي اننا مازلنا نجد كثيرا من رجال الشرطة طغت انسانيتهم علي اوامر اولي الامر منهم وحافظوا علي لياقتهم النفسية والانسانية ولولا دماء الشهداء التي لوثت لاعلاقة بيننا وبينهم لما حدثت هذه التصرفات العصبية الشاردة في العلاقة الحميمة التي ادعو الله ان نفكر فيها جيدا حتي تعود حفيدتي وتلعب عسكر وحرامية ويعود عسكري الدورية »ليسعل« سعلته العالية ليلا ليطمئن النائمين علي وجوده. ويا أولادي واحبائي رجال الشرطة عساكر كنتم أو جنودا اراكم اشجارا تظلل علينا في حر الصيف وشموسا تدفئنا في برد الشتاء.. انتم بشر لن يقاضي الطبيب الذي مات في يده مريض علي كل الاطباء ولن يقاضي المهندس الذي تهدمت العمارة التي بناها علي كل المهندسين.. اما انتم فعلاقتنا بكم حياتية ويومية اكثر من كل الفئات دمتم لنا وباركوا لنا بانتهاء مباحث أمن الدولة التي كانت علينا وليس لنا.