فعلت صورة الشباب المصري الفريدة فعلها في النفوس والضمائر والواقع. غيرت ما كان عصياً علي التغيير. هدمت ما أصبح هرماً رابعاً من الفساد. فرضت ما كانت السلطة ترفضه. لم تلوح بأي سلاح ولم ترق قطرة دم واحدة. لم ترفع شعارات الثأر والانتقام والاجتثاث ولم ترد الصاع صاعين لمن حولوا أحلام شعب إلي كوابيس. أما بعد..., فليس من حقي ولا من حق أحد غير المصريين ان يقف واعظاً أو ناصحاً أو حكيماً. فالزمن زمن الثورة والثوار. انفجر البركان, وصار انتحاراً أن يقف في وجهه أحد. ولماذا يقف أحد في وجهه؟ أليس من حق الشباب المحبط ان يغضب؟ أليس من حقه ان يثور لكرامته؟ أليس من حقه ان يقول لا لكل الاشياء القبيحة والدميمة والمتخلفة والمخجلة؟ أليس من حقه ان يقول نعم للحياة والجمال والتقدم والكرامة؟ أما بعد... فهذه هي مصر, أم الدنيا والحضارة. هذه هي مصر التي يدخلونها آمنين. هذا هو النيل الغاضب علي المياه الراكدة. هذا هو ميدان التحرير الذي صار بيتاً ومزاراً وملاذاً ونظرية ومنهجاً وعنواناً في كل صحف الدنيا وفضائياته. أما بعد... فقد وصلت الرسالة بالصوت والصورة. وقرأها كل العالم قبل ان يقرأها النظام المصري السابق. وهي رسالة ليست هيروغليفية ولا لاهوتية. انها رسالة بسيطة باللهجة المصرية لم يتعب الشباب المصري من الهتاف بها ليل نهار: لقد انتهت اللعبة. وفي كل لعبة هناك رابح وهناك خاسر. ولعبة الشباب المصري الناهض هي ان يتولي زمام أموره بنفسه بعد ان كاد يصل الي مستوي تحت خط الحياة وليس خط الفقر وحده. وعلي هذا الشباب الثائر الغاضب ان يظل ثائراً ولكن بلا غضب. وعلي هؤلاء الشباب ان يحموا ثورتهم من امتصاص هديرها وحرف أهدافها وتزييف ارادتها وسرقة أحلامها وتشتيت وحدتها. ضعوا الماضي وراءكم وتطلعوا الي المستقبل. فالماضي هو تاريخ من سبقكم والمستقبل وحده هو تاريخكم. وبناء المستقبل وتمهيد ارضيته وتنقية أجوائه لايتم باجتثاث من يختلف معكم في الرأي كما فعل حكام العراق المحتل من عملاء واشنطن وطهران. لقد شهدت بغداد والمدن العراقية الاخري طوال ثماني سنوات من الاحتلال سيادة لغة الثأر والانتقام والاجتثاث والاستبعاد والاستفراد فطاردت قوات الاحتلال الامريكي والحكومات الطائفية والعميلة المثقفين والعلماء والضباط والطيارين والادباء والفنانين والاعلاميين والسياسيين السابقين. وصارت لغة كواتم الصوت هي السائدة في الشارع العراقي لتضاف الي لغة الذبح علي ايدي الميليشيات المرتبطة بملالي الدجل والشعوذة في قم وطهران والاحزمة الناسفة والسيارات الملغومة علي أيدي إرهابي القاعدة المتخلفين. انا لا أظن أن أحداً من رموز ورجال ونساء ثورة 25 يناير يقبل محاولات الاساءة الي بعض الفنانين المصريين والادباء والصحفيين والاعلاميين الذين كانت لهم وجهات نظر مختلفة من ثورة الشباب المصري. لا تقلدوا ما فعله حكام وميليشيات العراق الذين اغرقوا العراق طوال ثماني سنوات في بحار من الدم واللطم والدموع والانتقام من الماضي القريب والبعيد ولم يبنوا مدرسة واحدة ولا مستشفي. ولا تقلدوا هؤلاء الفاسدين الفاشلين في العراق بالاساءة الي أي كان غير زمرة الفساد والقمع. ضعوا في أذهانكم ان بعض ضباط ثورة 23 يوليو حاولوا منع السيدة أم كلثوم من الغناء بعد الثورة لانها غنت للملك فاروق فرد عليهم الزعيم الخالد جمال عبد الناصر بان الاهرامات من ابداع الفراعنة القدماء فلماذا لا تهدمونها؟ أما بعد... فأرجوكم يا أبناء الثورة الوليدة ان تتطلعوا الي المستقبل ولا تلتفتوا الي الماضي, فعين العالم كله اليوم علي ميدان التحرير.. حتي وان غادرتم حدائقه وأرصفته وجدرانه.