سألته: ماالذي غيرك، وكنت الشاب الواعد أثناء تزاملنا في الدراسة الجامعية .. عندما كنت ثائرا .. مناضلا.. حالما.. مؤمنا بذاتك وقدراتك وبجيلك وبوطنك وبمسيرة حياتك القادمة ؟ أجاب: ربما غيرتني الأيام ؟ قلت: وهل الأيام كانت فاعلا بك كي تكون أنت مفعولا به، أم أنك كنت فاعلا فصارت أيامك مفعولا بها؟ أجاب: هل تنصبين من نفسك قاضية وتعقدين لي جلسات محاكمة في مدينتك الفاضلة؟ قلت: بالعكس، لم يعد هناك وقت للحساب بعد أن ولّي العمر بنا، بل هي محاولة استقراء لما حدث لك منذ بدأت خطواتنا تتباعد، ومنذ أن أحاطتك شلل السوء، وأبواق المنافقين والمنتفعين، ومنذ بدأت تُلقي بنفسك في عرض بحر الحياة، وتبحر ضد التيار، تيار نبوغك ، وتيار تفوقك الذي سجل امتيازك الدراسي والعلمي، وتيار صدق نواياك الذي جمعنّا حولك، وتيار أحلامك ودعوتك لنا لبناء مستقبل أفضل، وتيار تصوراتك لحياة نضال سياسي واجتماعي ودعم لديمقراطية وطنية أكثر عدلا؟ أجاب بحسم: كنت صادقا جدا مع نفسي ومعكم ؟ سألت: ثم ماذا ؟ أجاب: التزمت طريقي الذي عاهدت نفسي أمامكم عليه، ولكن غزا نفسي الطموح، تضاعف، وتضاعف، وعبر كل نقطة نجاح اجتزتها، وجدت خطواتي تُنقش علي خرائط النجاح، بدأت الوعود المغرية تُلقي في طريقي، والإغراءات تحيطني، والقفزات الوظيفية تنتظر قبولي، والدعوات والهدايا والعطايا تبدل مكانتي الاجتماعية ، والحصانات تمنحني استثناء تتلوه استثناءات، أصبح لدي حساب في أحد البنوك تلاه حسابات، وعروض بسكن فاخر أعقبته عروض بمصايف أكثر فخامة، ودعوات للسفر، وتأشيرات لعبور بوابات كبار القوم، وحاشية تحيط بي تنشد ودي، وحامل حقيبة، وموظفون يسبحون بحمد قرارتي، ومعارضون ينكسرون أمام قراراتي، ومنعزلون منهزمون أمام إرادتي، ازددت صلابة وقوة وغرورا، اعتدت أن ينحني الآخرون أمامي، وصرت أستشيط غضبا ممن ظلوا مصرين علي نُصحي ومراجعتي منكم، خاصة وأنا أراكم تتراجعون وتزدادون فقرا وانعزالا، وحرمانا، قلت لنفسي أنكم أغبياء وعنيدون وخاسرون، لم أعد أهتم بكم ولابرأيكم ولا شأنكم، اعتدت الاستغناء،لم أعد أهتم بمن أحبوني وغادروني، شجعني شيطان كبريائي وجبروتي علي المضي قدما في طريقي، أصبحت فقط مخلصا لنفسي ولجاهي ولطموحي ولغروري، تأكدت مع كل آذان فجر من رغبتي في السعي في نفس طريقي، وتناسيت مع كل حلول ليل جديد من إسكاتي لصوت ضميري، ارتحت منه ومنكم ! تابع ساخرا، وربما نادما: والآن لم يعد بوسعك محاكمتي، ولابوسعي الاستماع لصوتك الذي لم ينافقني أبدا، مضي بي طريق النفاق إلي نهايتي والتي لم أحسن خاتمتها، ومضي بك طريق رفض النفاق إلي الشماتة بي لحظة سقوطي ! قلت: أعوذ بالله من الشماتة بك، يشهد الله أنه فقط الحزن عليك ومن أجلك ,ومن أجل أولادك وأهلك وكل من أحبوك يوما .. غادرته آسفة لنهاية اختارها وخوفي يدفعني لترديد " اللهم أحسن خاتمتنا. " ! مسك الكلام .. درس ثورة 25 يناير "أُرفض النفاق، فدولة النفاق مهما علت زائلة، ودولة الصدق مهما حوصرت وحدها باقية ".