.. حتي لو نجح القذافي، لا سمح الله، في إبادة قطاعات عريضة من الشعب الليبي، وإنهاء التظاهرات كما هدد في كلمته التي لا تصدر إلاّ من مجنون أو سفاح فيكفي ، بالنسبة للكثيرين في دول عديدة أولها لبنان، أنها كشفت عن جريمة كبيرة وأكدت إدانة معمر القذافي بارتكابها أو علي الأقل الأمر بتنفيذها! الجريمة ارتكبت منذ ثلاثة وثلاثين عاماً، وراح ضحيتها الإمام موسي الصدر لبناني الجنسية خلال زيارة قام بها إلي ليبيا في31 أغسطس عام 1978، ثم فجأة.. انقطعت أخباره، ولم يعرف أحد أين اختفي؟ ولا من الذي أخفاه؟ السلطات الليبية أكدت أن فضيلته غادر البلاد عبر الحدود مع تونس وهذا كل ما لديها من معلومات عنه. وبالطبع لم يقتنع أهل المختفي وعشيرته والمسئولون اللبنانيون بهذا الرد المريب. وسرعان ما تردد أن »موسي الصدر« لم يختف وإنما أغتيل عمداً خلال زيارته الشهيرة لليبيا. ومع الأيام.. أصبح الظن يقيناً، والشائعة تحولت إلي حقيقة أحزنت اللبنانيين، وأفزعت أهله وعشيرته ومحبيه، وأجمعوا علي استمرار بحثهم عن موسي الصدر حيّا، وتنقيبهم عن أدلة ووقائع تثبت اغتياله وتحدد الجناة ومن وراءهم.. كائناً من يكون، وتسليمهم إلي أيدي العدالة للاقتصاص منهم والثأر لدم موسي الصدر. من جانبها استمر النظام الليبي علي مدي العقود الثلاثة الماضية في نفي هذه الاتهامات، التي دأب علي وصفها ب »الظنون« أو »الافتراءات« ضد الجماهيرية العظمي!وكان يمكن أن يتمسك النظام الليبي بهذا النفي لثلاثين عاماً قادمة، ما دام القذافي، وابنه »سيف الإعدام« من بعده، علي رأس هذا النظام، ويحكم شعبه بالحديد والنار. أقول كان يمكن أن يحدث هذا لولا انتفاضة الشعب الليبي الحالية التي أمر رأس النظام الفاسد بقمعها بكل ما لديه من رصاص وقنابل وقذائف! العديد من سفراء ليبيا أفزعتهم هذه الوحشية ضد المواطنين المتظاهرين، فأعلنوا استقالاتهم والانضمام إلي الثورة. وقيادات شهيرة في ليبيا أعلنت رفضها أيضاً. أبرز هؤلاء: الرائد عبدالمنعم الهوني شريك العقيد القذافي في الانقلاب العسكري الذي أطاح بالملكية عام1969 الذي انفردت الزميلة »الحياة« بإجراء حوار معه نشر أمس وكشف فيه لأول مرة عن حقيقة ما حدث للإمام موسي الصدر الذي اختفي منذ أغسطس عام 1978. قال »الهوني« للزميلة »الحياة« إن الإمام موسي الصدر »قتل خلال زيارته الشهيرة إلي ليبيا عام 1978، وتم دفنه سراً في منطقة »سبها« في جنوب البلاد«. وأضاف الرائد عبدالمنعم الهوني قائلاً: [إن المقدم طيار»نجم الدين اليازجي« كان يتولي قيادة طائرة القذافي الخاصة، بعد تكليفه بنقل جثة الإمام الصدر لدفنها في منطقة سبها]. المذهل أن »الهوني« لم يكتف بتأييد ما سبق أن تصوّرناه منذ زمن طويل، وإنما فجر قنبلة إعلامية هائلة، عندما كشف عن جريمة أخري ارتكبها القذافي، ومرتبطة باغتيال موسي الصدر. قال »الهوني«: [إن الطيار نجم الدين اليازجي الذي نقل جثة موسي الصدر ليدفن في منظقة نائية، »اختفي« هو أيضاً ، بلا سبب ولا مبرر، بعد فترة وجيزة من تنفيذه أمر القذافي. وتبين أن القذافي أمر أجهزته الأمنية بتصفية المقدم طيار نجم الدين اليازجي لمنع تسرب قصة مقتل موسي الصدر ودفن جثته في منطقة سبها]. لا نعرف لماذا أمر القذافي بقتل مضيفه: الإمام الشيعي اللبناني موسي الصدر. والمذهل أن هذا المخلوق غير الآدمي أمر أحد طياريه بنقل جثة »الصدر« ودفنه، وبعد أن نفذ الطيار أمره.. تمت تصفيته لا لشيء إلاّ خوفاً من احتمال كشفه عن ما قام به! أي حاكم هذا الذي يأمر بقتل فلان، وبعد التنفيذ يأمر بقتل من نفذ الأمر بنقل الجثة لدفنها في مكان مجهول؟! وأي نظام هذا الذي يقبل أن يرأسه قاتل مزمن، سبق له أن أمر رجاله بنسف طائرة ركاب أمريكية راح ضحيتها المئات من الركاب متعددي الجنسيات وليس بينه وبين أحدهم أو بعضهم أو جميعهم أدني خلاف؟! الذي يفعل ذلك، ويكرره المرة بعد الأخري.. علي امتداد الأربعين عاماً الماضية داخل بلاده وخارجها لا يضيره ولا يقلقه، من قريب أو بعيد، أن يظهر علي شاشة التليفزيون أمس الأول ليصف من شارك في التظاهرات الشعبية بأنهم »جرذان«، وعملاء أجهزة عربية، يستحقون التقاطهم من الأزقة والشوارع وإبادتهم. إبراهيم سعده [email protected]