بيقين فإن واحداً من أهم تجليات ثورة 52 يناير وما بعدها، هو سقوط الحظر السياسي والإعلامي والصحفي عن رهط من الشخصيات العامة التي طال تغييب ظهورها الجماهيري، وتنميطها بوصفها شخصيات: »خطرة«، و»مؤذية«، و»مطعون في مقاصدها«. ولقد أثار ذلك السلوك الإقصائي انتباهي وتأملي لسنوات وبخاصة أن من بين أولئك »أو ربما كلهم« أصدقاء شخصيون »تاريخيون« إذا جاز التعبير. وعلي الرغم من أن بعض وسائط الإعلام الخاص والصحافة الخاصة منحتهم منصات بديلة للتواصل مع الناس، فإن الصيغة لم تك مرضية أو مسكنة لتساؤلي الذي ظل حاضراً من دون إجابة أو رد. كانت بعض الوسائط الإعلامية والصحفية الخاصة تستعمل تلك الشخصيات في تأكيد تميزها »التجاري«، وعملية تسويق نفسها باعتبارها الأكثر صدقية.. وكان بعض رجال الأعمال مالكي وسائل الصحافة والإعلام الخاصين، يبنون جسور علاقة قوية وتبادلية مع ممثليهم في الحكومة »من رجال الأعمال كذلك« ومن عيال أمانة السياسات، وأرادوا بعض السواتر حتي يقوموا بتبليغ تلك الصيغة للناس، وإضفاء قدر من المصداقية عليها ليس لها، ولم يك هناك سواتر أفضل من تلك الشخصيات العامة التي تتمتع باحترام جماهيري كبير، والتدثر والالتحاق بها لتمرير مشروع رجال الأعمال »السياسي« عبر مشروع رجال الأعمال »الإعلامي«.. وبالطبع لابد من وقفة ضرورية هنا تؤكد أن مقصد بعض الصحفيين والإعلاميين العاملين في تلك الوسائل لم يك كمثل أهداف مالكيها وأصحابها، لا بل لم يكونوا علي معلومية بها من الأصل والأساس، أما البعض الآخر فكانوا يعلمون، بل وتناثرت أثناء أيام الثورة بعض مستندات وأوراق تشير إلي أنهم كانوا جزءاً من مجموعات إعلامية وصحفية، أحاطت رجال الأعمال الوزراء، وتقاضي بعضهم أجوراً ومكافآت ثابتة من بعض أولئك الوزراء »إما عن طريق مكاتبهم مباشرة، وإما عن طريق بعض الأجهزة والهيئات الفنية التابعة لوزاراتهم«. ويرجع مرجوعنا لحكاية الممنوعين. إذ لم أفهم أبداً الحصار الذي حاول خنق أسماء وحضور شخصيات من حجم السيد عمرو موسي، أو الدكتور كمال أبو المجد، أو الشاعر سيد حجاب، أو الدكتور يحيي الجمل، أو الدكتور أحمد زويل، أو الأستاذ حسين عبدالرازق، أو الدكتور محمد البرادعي، أو السيد عصام شرف، أو الدكتور أحمد جويلي، أو المهندس حسب الله الكفراوي، أو الدكتور حازم الببلاوي، أو السيد محمد فائق، أو الأستاذ فهمي هويدي، أو السيد منصور حسن، أو الدكتور محمد عمارة، أو المستشار طارق البشري، أو الشاعر أحمد فؤاد نجم، أو الأستاذة صافيناز كاظم أو الأساتذة الصحفيين: ابراهيم عيسي وابراهيم منصور ووائل عبدالفتاج ومحمد علي خير وعبدالله السناوي وحمدين صباحي ووائل الإبراشي، فضلاً عن المنع »Part-Time« بعض الوقت لرهط أوسع من أولئك أجمعين. والأمر الأعجب في ذلك الحظر أو المنع أنه أحياناً كان يُفرض بسبب حديث واحد أدلي به، أو مقال وحيد سطره أحدهم، ثم كانت محاولة التغلب علي عوار صيغة المنع كانت تتم عبر فسح استضافته أو استكتابه لمرة عابرة، كل عدة سنوات في إحدي الجرائد، أو أحد البرامج، وفي موضوع أو ملف لا يسمح بظهور عناصر رأيه ورؤيته بشكل يعبر عن المتوسط الحسابي لموقفه.. وأعرض الآن لبعض صيغ المنع الذي كان سبباً مباشراً لتآكل مصداقية صحافة وإعلام النظام السابق علي نحو لطالما نبهنا إليه شفوياً وتحريرياً »يعني في اجتماعات عامة أو برامج إعلامية« أو علي صفحات الجرائد. وأفصل صيغ الحجب والمنع والحصار والإقصاء في الآتي: أولاً: الضغط علي بعض الكتاب أصحاب الرؤي المستقلة في جرائد الحكومة، من أجل إجلائهم عن مساحات الظهور التي حفروا وجودهم فيها بالأسنان وبالأظافر، وبعرق الجبين وحبر القلم لعهود وعقود وحققوا فيها من الشعبية والجماهيرية ما أثار عند بعض مسئولي جرائدهم القدامي والجدد شعرواً بالاحن، ورغبة في التخلص من حضورهم الذي يشير إلي عجز الآخرين المهني والإبداعي، حتي وإن لم يقصدوا تلك الإشارة، أو ينتبهوا إلي وجود أولئك الآخرين.. بالعربي وباختراق أكثر صراحة فإن إجلاء الأستاذ فهمي هويدي، والأستاذ سلامة أحمد سلامة عن منبريهما في »الأهرام« قسراً وجبراً أو دفع أحدهما أو كليهما إلي الارتحال لمنبر آخر أكثر اتساعاً ورحابة من ناحية الحرية، وأكثر اتساقاً مع إجمالي مشروع كل منهما المهني والسياسي، علي الرغم من تحفظ ربما يظهر هنا أو هناك علي بعض جوانب الأداء فيها ارتحالاً إليه. لم أفهم، ولن يستطيع أحد أن يحشر في دماغي أي تبرير تتخلي صحيفة بموجبه عن اثنين من أكبر كتابها، ومن الأسباب الرئيسية لشعبيتها وذيوعها. الأستاذ فهمي هويدي حين التحقت الأهرام من ستة وثلاثين عاماً كان يقدم صفحة بعنوان »الفكر الديني«، أزعم أنها لو استمرت كانت ستنجح في تخليق تيار ينقذ هذا البلد من روح الإرهاب أو العنف الديني. والأستاذ فهمي هويدي أحد أهم الخبراء في الشرق الأوسط والعالم المختصين في إيرانوأفغانستان وجمهوريات جنوب الاتحاد السوفيتي السابق والحالة الإسلامية بعامة. ومؤلفات الرجل العديد مثل: »أزمة الوعي الديني عن الفساد وسنينه إيران من الداخل الإسلام والديمقراطية القرآن والسلطان خيولنا التي لا تصهل حدث في أفغانستان المقالات المحظورة مواطنون لاذميون« والتي وضعها علي امتداد عمر حافل بالعطاء، تشي بقول واحد أننا أمام كادر يندر تكراره، وقد كتبت في »الأهرام« منذ شهور استعجبت حجب جوائز الدولة عن أسماء علي رأسها الأستاذ فهمي لمجرد ارتباط تلك الأسماء بالتيار الإسلامي. علي أية حال فإن الرجل لا يحتاج جوائز ونياشين سقطت قيمتها وسمعتها بمنحها لسنوات علي أسس شللية وسياسية وإدارية شديدة الانحطاط. ثم إن فهمي هويدي هو كاتب مقال رفيع المقام، ووجوده في أية جريدة يمنحها ثقلاً وأرجحية ربما لا تستطيع تشييد دعائمهما إلا بمحاسن الصرف التاريخية وفي كل حين ومين!