وجه سيف الإسلام معمر القذافي بياناً تليفزيونا حذر فيه الشعب الليبي من أن التظاهرات الحاشدة ضد النظام قد تؤدي إلي حرب أهلية، وإلي تقسيم ليبيا، وقد تنتهي باستعمار أجنبي جديد للبلاد. وأضاف »سيف الإسلام« مؤكداً أن »الوضع الحالي في ليبيا يمثل فتنة وحركة انفصالية وتهديداً للوحدة الوطنية، بتخطيط وتصعيد من مجموعة خونة يعيشون في الخارج«. لقد سبق أن اكتسب ابن القذافي قبولاً لدي الرأي العام العالمي باعتباره متحضراً في أفكاره، ويبذل أقصي ما في وسعه من أجل تلبية مطالب الشعب واحترام حقوقه، ونسب إليه أنه هو الذي غيّر سياسة ليبيا الخارجية خاصة مع الغرب من النقيض إلي النقيض. أتصوّر أن صورة سيف الإسلام القذافي لدي الرأي العام المحلي والخارجي ستتغير بعد بيانه التليفزيوني مساء الأحد الماضي. كان البعض يتوقع منه احتراماً لرغبة الشعب الذي انتفض بعد أربعة عقود من المعاناة والفاقة والبطالة، مطالباً بالإصلاحات والتغيير كما فعل التونسيون والمصريون واليمنيون والبحرينيون. وبدلاً من أن يقف سيف الإسلام مؤيداً للإرادة الشعبية ومطالبها وانتزاع حقوقها الغائبة طوال العقود الأربعة الماضية، فوجئنا به يهدد الشعب بأن الجيش سيفرض القانون والأمن بكل حزم وقوة.. مما يعني حربا أهلية قد تكون أشرس مما حدث في العراق، وأن تلافي ذلك يتحقق فقط بوقف التظاهرات ليبدأ الحوار الوطني حول الإصلاحات. تحذيرات وتهديدات ابن القذافي ليست دخاناً في الهواء، وإنما يمكن تنفيذها في أية لحظة، تمسكاً بالإبقاء علي النظام حتي آخر رصاصة لدي العسكريين والمدنيين. مصير محزن نتمني ألا يحدث في ليبيا حتي لا يعاني شعبها كما عاني ويعاني حالياً الشعب العراقي. ما قاله ابن رأس النظام الليبي لن يخيف الشعب الليبي خاصة بعد المذابح التي أسقطت العشرات وجرحت الآلاف حتي الآن. فالشعوب إن أرادت وصممت فلن تتراجع. الدليل رأيناه في كل الثورات الشعبية وآخرها في تونس ومصر واليمن وليبيا حالياً. لكن عجرفة ابن القذافي جعلته يتصوّر أن الشعب الليبي مختلف ومنفرد عندما أكد المرة بعد الأخري في بيانه التحذيري التهديدي أن »ليبيا ليست تونس، وليست مصر«! وأن »معمر القذافي ليس زين بن علي، وليس حسني مبارك«. من حق ابن قائد الثورة الليبية العظمي أن يؤمن بأن 99,99٪ من الليبيين يسبحون ليل نهار بأفضال وأقوال وشعارات ومغامرات ومخاطرات مفجر ثورات الكرة الأرضية قاطبة، لكن ما لا حق له فيه هو أن يسلب الشعب الليبي إرادته في تقرير مصيره، ثم يتطاول علي رئيس دولة شقيقة حسني مبارك الذي كان يحظي بالحفاوة والاحترام والتقدير منه، ومن قبله والده مؤسس أول »جماهيرية عظمي« في التاريخ والجغرافيا خلال العقود الثلاثة الماضية، وحتي اللحظة الذي قرر فيها الرئيس مبارك التخلي عن منصبه. قال سيف القذافي إن »معمر القذافي ليس حسني مبارك«. الكلمات في حد ذاتها تعبر حقيقة دون أن يقصد طبعاً عن الفارق الكبير بين مبارك وبين القذافي. فلو كان مبارك مثل القذافي لما تعامل مع انتفاضة الشعب المصري كما يتعامل القذافي حالياً مع انتفاضة الشعب الليبي. كان يتصوّر البعض أن الرئيس مبارك لم يعر انتفاضة شباب مصر التي سرعان ما تحولت إلي ثورة شعبية اهتماماً أو التفاتا. فلديه قوات الأمن المركزي القادرة علي قمع تلك الانتفاضة بكل ما لديها من أسلحة. كما تصوّر هذا البعض أن مبارك ليس فقط رئيساً للجمهورية وإنما هو القائد الأعلي للقوات المسلحة، مما يمكنه من فرض نفسه ونظامه علي الشعب. وخاب هذا التصور. فمبارك ليس القذافي ليفعل ما يفعله الأخير حالياً. وفوجيء كثيرون بمبارك يؤيد كل مطالب الشعب وأولها التنحي عن الحكم، فبادر بإعلان تخليه عنه وتكليف المجلس الأعلي للقوات المسلحة بإدارة شئون البلاد في مرحلة انتقالية تنتهي بتسليم البلاد إلي حكومة مدنية. .. وهذا هو الفرق بين الرجلين. إبراهيم سعده [email protected]