"تعليم السويس" ينهي استعداداته لانطلاق العام الدراسي الجديد    "ليكن نور".. المؤتمر الأول لذوي الهمم بإيبارشية حلوان والمعصرة    ما مهام مجلس النواب في دور الانعقاد السادس المنتقص؟    أسعار الفراخ والبيض اليوم الجمعة 19 سبتمبر 2025 بأسواق الأقصر    بدر عبد العاطي: نُحضر لمشروع سعودي تنموي عقاري سياحي للاستثمار في منطقة البحر الأحمر    1.6 مليار دولار صادرات مصرية.. تعرف على تطور العلاقات الاقتصادية بين مصر وإسبانيا في 2025    «حرب إسرائيل الأخيرة».. و«الرؤيّة الثلاثيّة»    الأهلي والهلال.. التشكيل المتوقع لكلاسيكو الكرة السعودية    ماذا قال مراد مكرم عن فوز الزمالك على الاسماعيلي بالدوري؟    «الداخلية»: ضبط 366 قضية مخدرات وتنفيذ 86 ألف حكم قضائي في 24 ساعة    أمطار على مطروح والإسكندرية.. توقعات حالة الطقس اليوم الجمعة 19 سبتمبر 2025    مصادرة 1100 علبة سجائر أجنبية مجهولة المصدر في حملة ل «تموين العامرية» (صورة)    "الاستحمام الأخير" يودي بحياة شاب في أبو النمرس    الداخلية تضبط أكثر من 98 ألف مخالفة مرورية فى 24 ساعة    واتساب يطرح ميزة التذكير بالرسائل لتسهيل متابعة المحادثات    ميراث النهر والبحر، فعالية تراثية تنطلق بدمياط تحت مظلة "البشر حراس الأثر"    فيديو - أمين الفتوى يكشف عن دعاء فك الكرب وكيف تجعله مستجاباً    أستاذ بالأزهر يوضح حكم استخدام السبحة: إظهارها حرام شرعًا في هذه الحالة    إجراء أكثر من 1000 عملية بمستشفيات العريش والشيخ زويد خلال 40 يومًا    مصادرة 90 شيشة بحملة مكبرة في الوادي الجديد.. صور    نائب وزير الصحة يتفقد منشآت طبية بكفر الشيخ    بعد الانتهاء من المرحلة الأولى.. "النقل" تعلن فتح الحركة على أجزاء من الطريق الدائري الإقليمي ابتداءً من غد السبت    أسعار الحديد والأسمنت اليوم الجمعة 19 سبتمبر 2025    %56 منهم طالبات.. وزير التعليم العالي: المنظومة تضم حاليًا ما يقرب من 4 ملايين طالب    رسمياً.. مكتب التنسيق يعلن نتائج تقليل الاغتراب لطلاب الشهادات الفنية    في سابقة.. سيناتور أمريكي يقدم مسودة تطالب ترامب الاعتراف بفلسطين    الاتحاد الأوروبى يسعى للحصول على أغلبية لتوسيع العقوبات على إسرائيل    خدعة كاميرات المراقبة.. أبرز حيل سرقة الأسورة الذهبية من داخل المتحف    وزير الخارجية: نسعى لتعزيز التعاون المصري-السعودي لمواجهة التحديات الإقليمية    افتتاح الملتقى الدولي التاسع لفنون ذوي القدرات الخاصة بحضور 3 وزراء    صحة غزة: 800 ألف مواطن في القطاع يواجهون ظروفا كارثية    وزير الخارجية: نُحضر لمشروع سعودى تنموى عقارى سياحى للاستثمار بمنطقة البحر الأحمر    ملك وملكة إسبانيا يفتتحان إضاءة معبد حتشبسوت فى الأقصر.. صور    وحدات التضامن الاجتماعي بالجامعات تراجع الاستعدادات النهائية لاستقبال العام الدراسي الجديد 2025- 2026    أسعار المستلزمات المدرسية في قنا 2025: الكراسات واللانش بوكس تتصدر قائمة احتياجات الطلاب    "نور بين الجمعتين" كيف تستثمر يوم الجمعة بقراءة سورة الكهف والأدعية المباركة؟    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة فى سوهاج    دونجا: عبدالقادر مناسب للزمالك.. وإمام عاشور يمثل نصف قوة الأهلي    تشجيعاً لممارسة الرياضة.. نائب محافظ سوهاج يُطلق ماراثون "دراجو سوهاج" بمشاركة 200 شاب وفتاة    بلال: فقدان الأهلي لأي نقطة أمام سيراميكا سيفتح باب الأزمات بقوة    التضخم في اليابان يصل إلى أدنى مستوى له في عشرة أشهر    أول ظهور ل رنا رئيس بعد تعافيها من أزمتها الصحية    جامعة القاهرة تفتتح المرحلة الأولى من مشروع تطوير الحرم الجامعي    أفكار تسالي للمدرسة.. اعملي الباتون ساليه بمكونات على قد الإيد    درة تهدى تكريمها فى مهرجان بورسعيد السينمائي للشعب الفلسطيني    عمرو يوسف: مؤلف «درويش» عرض عليّ الفكرة ليعطيها لممثل آخر فتمسكت بها    زلزال بقوة 7.8 درجة يهز منطقة كامتشاتكا الروسية    إجلاء الآلاف في برلين بعد العثور على قنبلة من الحرب العالمية الثانية    التعليم: حملة موجهة من مراكز الدروس الخصوصية لإبعاد الطلاب عن اختيار البكالوريا    أسعار الذهب اليوم الجمعة 19 سبتمبر في بداية التعاملات    طريقة عمل الناجتس في البيت، صحي وآمن في لانش بوكس المدرسة    مصطفى عسل يعلق على قرار الخطيب بعدم الترشح لانتخابات الأهلي المقبلة    سعر الموز والتفاح والبطيخ والفاكهة بالأسواق اليوم الجمعة 19 سبتمبر 2025    سادس فيتو أمريكي ضد وقف إطلاق النار في غزة خلال عامين    بعد رباعية مالية كفر الزيات.. الترسانة يقيل عطية السيد ويعين مؤمن عبد الغفار مدربا    حي علي الصلاة..موعد صلاة الجمعة اليوم 19-9-2025 في المنيا    رحيل أحمد سامى وخصم 10%من عقود اللاعبين وإيقاف المستحقات فى الاتحاد السكندري    الدفعة «1» إناث طب القوات المسلحة.. ميلاد الأمل وتعزيز القدرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشيخ القرضاوي.. القادم من بعيد
نشر في الأخبار يوم 19 - 02 - 2011


لحظات خمينية الملامح. هكذا شاء البعض ليوم الجمعة الماضي أن يبدو في نظر العالم. هذا ما بدا لي لفترة من الوقت، منذ الصباح الباكر ازدحم ميدان التحرير حتي فاق الحشد كل توقع، مرة أخري يثبت الشباب قدرتهم علي الحشد، ماتزال الروح مشتعلة، متقدة، مصر اندلعت روحها ولم تهدأ، هذه الروح مكوناتها عديدة ومصادرها شتي، الدين أحدها وليس كلها، إنها روح مصر الوطن، وعندما نقول الوطن فإننا نعني المسلمين والأقباط وكل من يعيش علي أرض مصر، منذ اللحظة الأولي بدا أن الشباب يستدعون ثورة 9191 ضد الانجليز بكل تقاليدها، الشعارات، الهتاف، كلها تدور حول مصر الوطن، الأعلام المصرية كانت في الأيدي، اليوم هزني مشهد مؤثر، أحد جنود القوات المسلحة يقف عند مدخل الميدان يوزع أعلام مصر علي القادمين. علم مصر كان الغالب علي الميدان، ولكن عندما ظهر الشيخ القرضاوي خيم ظل علي الميدان، الشيخ جاء قبل موعد صلاة الجمعة بساعات معدودات، واعتلي منصة الميدان، كان ثمة شيء في هيئته وخطابه يذكر بالثورة الخمينية وتلك الثورة من أعظم ثورات الإنسانية، لكن مسارها مغاير للثورة المصرية، الثورتان تشتركان في البواعث والهدف، ضد الدكتاتورية والطغيان، لكن التوجه الأساسي في إيران كان دينياً، حل نظام الملالي محل الشاه، دكتاتورية رجال الدين محل دكتاتورية الشاهنشاه.. وماتزال إيران تعاني، الثورة المصرية بواعثها ومسارها وطني، الإسلام جزء من مكوناتها، كذلك المسيحية، يعي الشباب ذلك، وفي الأيام الأولي للثورة كان موقف الإخوان غامضاً ثم اتضحت مشاركتهم المحدودة شيئاً فشيئاً، الإخوان هم الحزب الوحيد في مصر المنظم، النشط، ذو هيكل منظم، ومن أفضل نتائج الثورة ظهورهم العلني حتي يبدو حجمهم الحقيقي، لكن ثمة فرق بين المشاعر الدينية العميقة للمصريين علي اختلاف معتقداتهم وبين جماعة تستخدم الدين للوصول إلي السلطة وعندئذ ستنشأ ديكتاتورية مخيفة وأمامنا نموذج وصول حماس إلي السلطة في غزة وسلوكها الذي أهدر وأضعف القضية الفلسطينية مقابل الاحتفاظ بالسيطرة علي الإمارة، نشط الإخوان خاصة بعد انتصار ثورة المصريين جميعاً، وحاولوا الظهور ومازالوا بمظهر الأقوياء الذين أشعلوا الثورة وبالتالي قطف ثمارها، الملايين التي احتشدت في ميدان التحرير من المصريين المؤمنين، لكنهم ليسوا أعضاء في الجماعة أو غيرها، ثمة فارق دقيق بين إيمان الشعب العريق، أول من اكتشف أن الوجود ليس عبثاً، وأن وراء الظاهر من يديره، المصريون القدماء هم الذين هدوا العالم إلي فكرة الإيمان، وأرسوا أصوله، لذلك ثمة فارق كبير بين المؤمنين بمستوياتهم المختلفة ومن يستغل الدين للوصول إلي هدف آخر. لقد تم ترتيب المشهد جيداً من قبل قوي تحاول ركوب ثورة الشباب وتوجيهها إلي أهداف ومسارات محددة، المشهد المهيب في ميدان التحرير كان له عدة قراءات، فمن سينظر إليه بدون أن يضع في اعتباره العمق الإيماني للمصريين والذي لا ينطلق من مذهب معين، ولا ينغلق علي رؤية محددة، سيظن أنه أمام مشهد إيراني، أي ثورة إسلامية، وهذا هو الهدف الكامن لبعض من شاركوا في الثورة متأخرين بعد بدايتها وكانوا مجرد فصيل، أما الذين يعلمون اتساع أفق المصريين، ومنطلقاتهم الإنسانية فسيقرأ المشهد بعمقه الديني والوطني، كان منبر الأزهر منطلقاً للجهاد في مختلف العصور، وقُدر لي أن أشهد الرئيس جمال عبدالناصر في عام ستة وخمسين يعتلي منبر الأزهر ويعلن أنه باق في القاهرة، وأنه مع أسرته، وأن الشعب المصري »سيقاتل.. سيقاتل« الدين من المكونات الرئيسية للمصريين، ولكن ليس من أجل تكوين نظام سياسي يستمد مقوماته منه، ولعل العلم المصري الغالب علي المشهد أحدث قدراً من التوازن بين المشهد الرهيب للمصريين الذين جاءوا إلي الميدان في سعي وحشد جوهره وطني وإنساني شامل، وأولئك الذين أرادوا للمشهد أن تكون خلفيته هناك، لحظة عودة الخميني إلي طهران قادماً من باريس، حاولوا تصويرها علي أنها موازية لعودة الشيخ القرضاوي بعد غياب ثلاثين عاما في المنفي القطري، وهنا لابد من توضيح، فلم يكن الرجل ممنوعاً من التردد علي مصر، كان يجيء ويعود، وإن كنت أعتبر التضييق عليه ومنعه من اعتلاء المنابر في مصر أمراً غبياً، تعسفياً، وعندما جاء الرجل مؤخراً إلي مصر، وقصد زيارة شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، حاولت الأجهزة الأمنية الحيلولة دون إتمام اللقاء وهدد الدكتور الطيب بالاستقالة وتمت اللقاءات، هذا النوع من التدخلات السافرة، صغيرة الهدف، ضيقة الرؤية، يجب أن يتوقف، منع الشيخ القرضاوي من الظهور علي منابر مصر، وعبر قنواتها الفضائية يشبه منع الأستاذ هيكل طوال السنوات الماضية، كلاهما ملء السمع والبصر، والمنع لا معني له، لكن تحفظي علي مشهد يوم الجمعة بواعثه استثنائية اللحظة وفرادتها في التاريخ الإنساني ومن هنا كنت أتمني الحفاظ علي خصوصيتها بألا يتم إحالة المشهد الرهيب إلي لحظة أخري في التاريخ، لحظة لها خصوصيتها واحترامها، لكنها تختلف عن يوم الجمعة المصري، كنت أتمني أن يؤم المصلين أحد الشيوخ المصريين الأجلاء الذين شاركوا في الثورة، وكانوا مؤججين لها، لو أن الشيخ أحمد المحلاوي خطب في ميدان التحرير لاختلف المشهد تماماً، أو الشيخ حافظ سلامة قائد المقاومة في السويس وحافظ صمودها، وأحد الرموز الوطنية الكبري في مصر، كلاهما كان علي رأس الثورة ومن قادتها، كنت أتمني أن يخطب أحد شباب الثورة، تكتشفه الثورة وتقدمه، الشيخ القرضاوي عالم جليل، ربما كان من المناسب أن يخطب في صلاة الجمعة من فوق منبر الأزهر، عالم من الأجلاء، ولكن أن يتصدر المشهد الاستثنائي لانتصار ثورة لم يسهم فيها، ولم يتعرض لأخطارها، وأن يحرص ممثلو الإخوان المسلمين أو التيار الذي يدعو إلي الإسلام السياسي إلي إيجاد أوجه شبه بين ثورة إيران التي انتهت بحكم رجال الدين، والثورة المصرية التي انطلقت من مبادئ وطنية وإنسانية أشمل، حازت علي انبهار العالم، رسالتها الكونية وصلت إلي كل إنسان يعيش في الكوكب. لذلك أنبه إلي خطورة حصرها في اتجاه بعينه، الثورة المصرية من الثورات النادرة في تاريخ الشعوب، وهي من نقاط الانطلاق الكبري في التاريخ عامة وفي تاريخ مصر خاصة، وأستعيد هنا أقرب الثورات شبهاً من التاريخ المصري نفسه، ثورة 9191، رغم الفارق، فتلك كانت موجهة ضد الاحتلال الأجنبي، وثورة المصريين التي قادها الشباب كانت ضد الدكتاتورية والفساد، ضد ما يعطل ويعيق الحياة الإنسانية، لكن يجمع بينهما مصرية الثورة وأصالتها وخصوصيتها، كانت ثورة 9191 بداية الحقبة الليبرالية المجيدة في تاريخ مصر والتي انطلقت خلالها الروح المصرية عبر كبار مبدعيها، سيد درويش، مختار، أم كلثوم، توفيق الحكيم، محفوظ، سليم حسن وأسماء شتي في كل المجالات. إن ثورة الشباب التي أصبحت ثورة كل المصريين فرصة مبهرة لكي تتحول مصر إلي قوة عظمي مثل الصين أو ماليزيا أو الاتحاد الأوروبي، ولن يتحقق ذلك إلا ببناء الدولة المدنية الكاملة بكل ما تعنيه حيث الكافة متساوون في الحقوق والواجبات وممارسة الحرية والشفافية، إن مصر وجوهرها الإنساني ملء العيون والأبصار في الكوكب كله، ومن المخاطر أن يحاول البعض صرفها إلي مسار بعينه أضيق وأقل محدودية، أو إحالة الثورة إلي مرجعيات قصية عنا، أو تبديل رموزها أولئك الذين قادوها واستشهدوا من أجلها بالقادمين من بعيد أياً كانوا.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.