المختلفون مع الحكومات ينضوون تحت فضاء المعارضين لسياسات ومواقف وقرارات النظام الحاكم في بلادهم. ولأن الرأي المؤيد يتساوي في الحقوق والواجبات مع الرأي الآخر أو هكذا يفترض في أي بلد، وكل بلد، ديمقراطي فقد قامت الأحزاب السياسية التي تتسابق فيما بينها لكسب ثقة الجماهير وأصوات ناخبيها، كل حسب برنامجه وأهدافه، لتولّي مهام السلطة التنفيذية و بدء تحقيق الآمال والتخفيف من الآلام، تحت رقابة الشعوب ممثلة في برلماناتها. الحزب الحاكم يستمر حاكما مادام البرلمان راضياً عن إنجازاته، فإن فشل فالشعب يسحب ثقته منه، وينتخب حزباً غيره .. وهكذا يتحقق تداول الحكم، وبديهية البقاء للأصلح. »المعارض«، »المنتقد«، »المستقل«، »الناشط«، »الثائر«، و»المنشق« تعني كلها تلقائياً أن أصحابها يمارسون حقهم في الاعتراض علي سياسات وقرارات حكومية ويطالبون بإلغائها أو تعديلها أو الإضافة إليها. ولأن الأنظمة الديكتاتورية لا تطيق سماع كلمة »ديمقراطية« فإنها لا تسمح بالمعارضة ولا بالمعارضين، والمنتقدين، والنشطاء، والثوار، وغيرها من الأوصاف داخل حلقة »الرأي الآخر«. وعندما تصطدم هذه الأنظمة ببعض هؤلاء فإنها تحرص أولاً علي حظر وصفهم بالمعارضين، وتتعامل معهم معاملتها للخونة والعملاء لأجندات خارجية. مقدمة طويلة لا جديد فيها، وعذري أن الذاكرة استعادتها خلال متابعتي ما يجري حالياً في إيران، والابتكار المذهل الذي ابتدعه الخومينيون في توصيف »المعارضة«، و»المعارضين«.. ويتخلف تماماً عما تعرفه الدنيا كلها عنهما. تظاهر الآلاف من الإيرانيين في شوارع بعض المدن ينددون بالنظام وحكومته. وهي نفس التظاهرات التي عمت إيران في العام الماضي رفضاً وطعناً في تزوير الانتخابات التي أبقت علي »محمود أحمدي نجاد« رئيساً للجمهورية لفترة تالية، وتم كبح الجماهير وردعهم وقتل العشرات وخروج الآلاف وإدانة رموزهم أمام محاكمهم الصورية. نفس الأسلوب اتبعه النظام في مواجهة ما حدث أمس وينتظر حدوثه اليوم وربما غداً.. وهو ما نسمعه، ونقرأه حالياً عبر الفضائيات وفي الصحف. أجهزة الإعلام العربية والغربية أشارت إلي المشاركين في التظاهرات الضخمة مستخدمة نفس الأوصاف المتعارف عليها عالمياً: بدءاً ب »المعارضين«، ومروراً علي »المناهضين«، و»المتضررين«، و»المغلولين«، وصولاً إلي: »النشطاء السياسيين« و»المظلومين«.. وغيرها من الأوصاف التي تصب كلها في خانة: »المعارضة«. أما حكام طهران، وإعلامهم، وأبواقهم، فقد ابتكروا كما قلت وصفاً للتظاهرات وللمشاركين فيها بما لم يسبقهم أحد إليه من قبل. فهم لا يعترفون بأي وصف غير وصفهم الذي أفتوا به. كل من يعارض، أو يناهض، أو ينتقد، هو في نظر الخومينيين: منافق.. ويستحق البتر. الآلاف الذين نزلوا إلي الشوارع، والملايين الذين ظلوا داخل منازلهم وأيدوا خلال أعماقهم تلك التظاهرات المناهضة للحكومة والنظام، هم من المنافقين الذين يستحقون العقاب الرادع. النفاق بمعناه المعروف والمتبادل صفة رذيلة في الإنسان، يستحق عليها السخرية منه، والتندر علي انتهازيته، أو حتي الابتعاد عنه. لكن المعني يختلف مع قادة النظام الذي أبتلي الإيرانيون به وينزفون منه طوال العقود الثلاثة الماضية. فهم ينظرون إلي الموافقين باعتبارهم مثيرين للفتنة، والفتنة أشد من القتل، والقتل يتطلب الإطاحة بالرقاب. كل رقاب المنافقين توطئة لحرقهم في جهنم.. وبئس المصير! حجة الإسلام علام حسين محسني هكذا صفته واسمه قال بصفته القضائية إنه لا يمكن التسامح مع المنافقين، وسيتم بالتأكيد محاسبتهم. ونواب في المعارضة استبقوا التحقيقات والأحكام وطالبوا بشنق قادة المنافقين، مثيري الفتنة، وعلي رأسهم : مير حسين موسوي وزميله مهدي كروبي! .. نحمد الله أننا نكتفي بالتندر علي المنافقين والسخرية منهم، ولا نحذو حذو آيات الله في طهران.