عِيشُوا كرامًا تحتَ ظلِ العلمِ تحيا لنا عَزِيزَةَ في الأممِ كل الأمال معقودة عليهم.. كل القلوب تلتف حولهم.. العجائز، الذين ألهبت ظهورهم سياط النظام المستبد، تلجأ إليهم الآن باعتبارهم الحصن الأخير والملاذ الآمن.. الشباب الذين أزهقت أرواحهم، أو أدمت أجسادهم رصاصات النظام القمعي، ترنو إليهم باعتبارهم الدرع الذي يحمي صدورهم، والسيف المسلط علي رقاب أعدائهم.. إنهم رجالات مصر الذين غيروا تاريخ العسكرية في دول العالم الثالث، وردوا الاعتبار لمصطلح "العسكر" وجعلوا من أنفسهم استثناءً علي القاعدة، وخروجاً عن المألوف، ففازوا بالحسنيين: إجلال الشعب.. واحترام العالم. فقد اعتادت شعوب دول العالم الثالث -عبر التاريخ- أن تري جيوشها سيف النظام المسلط علي رقابها، بدلا من أن تكون درعاً يقيها من ضرباته الموجعة. واعتادت هذه الشعوب أيضًا أن تلجأ إلي جيوشها عندما تشتد عليها هذه الضربات فلا تجد لديها سوي المزيد منها.. أما العالم الذي يرفل في رداء الديمقراطية المزرقش بشتي ألوان الحرية والمساواة والعدل، فقد كان ينظر دائماً إلي هذه الجيوش باعتبارها مجرد "حضانة " للاستبداد و "مُفضرِخَة " له، و "راعية" له . ورغم أن هناك جيوشَا شذت عن هذه القاعدة، في تاريخ العالم، إلا أنها ربما لا تزيد عن أصابع اليد الواحدة، بل وربما نسيها العالم في زحمة طغيان نظرائها سيئة السمعة علي الساحة، وتسويدها معظم صفحات التاريخ . وقد كان الجيش المصري العظيم نموذجاً لا يضاهي في استثناء نفسه عن القاعدة، ومنذ فجر العسكرية المصرية، حيث كانت فوهات مدافعه وبنادقه دائماً في اتجاه واحد لا تحيد عنه أبداً .. اتجاه أعداء الوطن .. وأعداء الوطن هنا ليس من بينهم الحركات الوطنية التي تقاوم الأنظمة المستبدة والفاسدة،كما استقر الحال في العالم الثالث، وإنما المتربصين بأمنه، المعتدين علي أراضيه .. ومع وقوف العالم أجمع بالبحث والدراسة أمام ظاهرة اسمها " الجيش المصري " وُلِدت من رحم " ثورة الغضب " باعتباره كان سيفها البتار، ودرعها الواقي، يمكن أن نقول - ونحن كلنا ثقة - إن طيورنا المسلحة التي غردت مع شباب ثورة الخامس والعشرين من يناير، قد ردت الاعتبار لمصطلح " العسكر " الذي طالما يُروَّج له - عالميَّا - بصورة سلبية .. فقد تحول هذا المصطلح من مدلوله اللغوي يشير إلي من ينخرط في الخدمة العسكرية، إلي مدلول اصطلاحي يشير إلي مجموعة من العسكريين الذين يرفضون الدولة المدنية، ويوصدون كل أبواب الديمقراطية، ويقمعون شعوبهم بمنتهي الدموية . . ومن خلال متابعتي لردود فعل العالم حول موقف جيشنا العظيم، وتثمينه طريقة تعامله مع ثورة الشباب، وتركيز صحافته علي صور المتظاهرين وهم يحتضنون جنوده الأبرار، ويكبرون ويهللون من علي متن دباباته، التي حولوها بعد الإعلان عن سقوط النظام إلي "كوشة الفرح". وقالت صحيفة "لوموند" الفرنسية إن هذا المشهد جدير بالتأمل والدراسة. وتساءلت "دير شبيجل" الألمانية: هل نحن هنا فعلاً في العالم الثالث"؟! ويمكن أن نخرج بنتجة أخري مفادها أن الجيش المصري هو الذي لعب دور المخرج العبقري، الذي قدم للعالم ملحمة الشباب الرائعة، فقدم مصر من جديد إلي العالم كدولة متحضرة لديها شباب راقٍ، يتوق لدولة مدنية ديمقراطية، وجيش متحضر يحتضن شباب وطنه، لا يوقف انطلاقته، ولا يقفز علي ثورته، كما يفعل كثيرون وللأسف ممن يحسبون أنفسهم علي المجتمع المدني، ومنهم جماعات ترفض الدخول المرحلة الانتقالية، بل وتريدها انتقامية، ورؤساء أحزاب "عارضة" خرجوا من رحم النظام، وباتوا مستأنسين، أو خرجوا من رحمه ثم نسوا أنه صانعهم، فانقلبوا عليه، فبلع الطعم وراح يحاصرهم، دون أن يدري أنه يخدمهم، ويروج لهم.. وأستطيع القول أن مسئولتنا الوطنية الآن أن نقف وبقوة وصفا واحدا خلف قواتنا المسلحة.. لا وقت الآن للمهاترات.. لا وقت لتصفية الحسابات.. لا وقت للقفز علي ثورة الشباب أو حتي المحاولات. إن من يسعون لاختطاف ثورة الشباب الآن هم أبناء جيلي ممن قُهروا وظُلِموا وهُمشوا في سنوات حكم النظام السابق، ولكن كل هذا لا يعطيني، ولا يعطي أبناء جيلي ونحن في الخمسينيات من عمرنا، أن نختطف ثورة شباب اللا منتمين سياسيا لأي جماعات أو أحزاب أو أجندات، حتي لا نعود بهم للوراء.