لابد ان يذكر العالم كله محمدا »صلي الله عليه وسلم«، ان لم يكن كنبي صاحب رسالة الهية، فكإنسان عظيم وبطل عظيم، نشر النور والسلام في رحاب الصحراء، وأخرج للناس أمة علمت الناس التسامح والمحبة، فذهب مجدها شرقا وغربا تدعو دعوة التوحيد من غير إكراه ولا بغي، فمن آمن فإنما يؤمن لنفسه، ومن أنكر فعليه إثم الإنكار. لسنا نذكر محمدا صاحب الدين، ولكننا نذكر محمدا الإنسان، محمدا المجاهد الذي لم يعرف اليأس قلبه،وهو يري قومه يتآمرون عليه، وبعصبته وأنصاره، يريدون لهم الأذي والشر.. وهو يري من حوله سادة قريش وأغنياءها ينكرونه ويدفعونه عن دعوته، ويبلغ بهم المكر والحيلة والحقد حد التفكير في قتله، لم يكونوا يفكرون في الدفاع عن آلهتهم بقدر ما كانوا يفكرون في الدفاع عن مصالحهم! ان الدين الجديد يساوي بينهم وبين مواليهم، ويجعل الناس اندادا، لا يمتازون بالثروة والجاه، ولكن يمتازون بالتقوي والعمل الصالح. كانت الدعوة الجديدة معناها مجتمع جديد وتفكير جديد، وتطور جديد، كان الأباطرة والقياصرة، والأمراء هم سادة الدنيا، لا رأي لأحد غيرهم، الشعب عندهم لا اعتبار له ولا كرامة، الدنيا دنياهم والمجد مجدهم، والكرامة كرامتهم، والشعوب عبيد واماء! ومن يكون الداعية الجديد؟ ملك أو أمير أو قيصر أو إمبراطور؟ كلا، لم يكن شيئا من هذا، كان رجلا فقيرا يتيما أميا لا يقرأولا يكتب، ولكنه وهب سرا من أسرار الله خالق الكون، فجعله أقوي من القياصرة والآباطرة والملوك والأمراء. هذا هو محمد البطل العظيم، الذي كانت حياته انقلابا في الحياة، ودعوته نورا اضاء للبشرية طريق المحبة والسلام. ان عظمة محمد يستوي في الاقرار بها المؤمنون برسالته، وغير المؤمنين بها، لانها عظمة نابعة من ذاته وصفاته، انه بشر من البشر، عاني ما عانوا، وجاهد ما جاهدوا، وناله من الفشل والاخفاق ما نالهم، واعطاه ربه الحسني، ورفعه عن العالمين كفاء ما عمل وجاهد، وأحسن العمل والجهاه، كانت حياته صلوات الله عليه، هي رسالته وفخره وذكره ومعجزته، كانت القدوة والأسوة. وسوف تمر أجيال وأجيال، وقرون وقرون، وتظل ذكري مولد هذا الرسول العظيم تضيء وتضيء، وتزداد بهاء وضياء، ان مبادئه الواضحة المعالم هي التي مهدت للمسلمين الأوائل ان يبلغوا في العلم والكشف والإدارة والحرب والصناعة والتنظيم والفتح، ما بلغوا من شأن عظيم، ومهدت لهم ان يبلغوا في الفلسفة والفكر ما اضافوا به إلي التراث الإنساني، اضافات شهد بها المنصفون من أهل الغرب. قال جوستاف لوبدن: ان العرب أول من علموا العالم كيف تتفق حرية الفكر مع استقامة الدين. لم يدع محمد صلوات الله عليه انه صاحب معجزة أو ملك أو فضل، بل قال: أنا ابن إمرأة من قريش، كانت تأكل القديد!