تابعنا العديد من المقالات والدراسات التي تتحدث عن ازمة الدولار في مصر خلال الفترة الحالية مع اجراء العديد من المقارنات بين اسعار صرف الدولار عبر فترات زمنية مختلفة والتي توضح الاتجاه التصاعدي لسعر الصرف وما يترتب عليه من آثار سلبية علي الاقتصاد المصري... وقد وصل الامر الي تغيير محافظ البنك المركزي وقيل ان احد اهم اسباب هذا التغيير هو اتخاذه للعديد من الاجراءات والسياسات التي تسببت في هز استقرار اسواق العملة وارتفاع سعر صرف الدولار بشكل مضطرد ومستمر. ومع كل التقدير لكل ما كتب في هذا الشأن فإني أري ان القضية اعمق من ذلك بكثير...فهي ترتبط بالمقومات الكلية للاقتصاد المصري ومصادر الحصول علي العملات الصعبة وقدرة الدولة علي زيادة الايرادات وخفض المصروفات وكذلك القدرة علي جذب الاستثمارات والادارة الواعية لتحويلات المصريين العاملين في الخارج وكذلك القدرة علي رسم صورة سياحية جديدة لمصر. بخصوص المقومات الكلية للاقتصاد المصري فمن الواضح انه لابد من اعادة هيكلة هذا الاقتصاد ليصبح اكثر تنوعاً ولا يعتمد فقط علي مصادر تقليدية لجلب العملات الحرة بل لابد من اعادة رسم استراتيجيات جديدة للصناعة والزراعة والخدمات لاننا نمتلك مقومات فنية وبشرية لصناعات معينة وكذلك هناك ميزة نسبية لزراعة نوعيات معينة من المحاصيل كما اننا نفتقد بشدة الي فهم وتحليل صناعة الخدمات والتي اصبحت معيار التقدم الاقتصادي لاي دولة (80% من الدخل القومي الامريكي يتحقق من الخدمات بأنواعها المختلفة). وضع استراتيجيات جديدة للصناعة والزراعة والخدمات سوف يدعم قدرة الدولة علي زيادة الايرادات من مصادر متنوعة من ضرائب ورسوم بالاضافة الي زيادة فوائض المشروعات التي تمتلكها الدولة او تمتلك جزءا منها، كما ان ذلك سوف يؤدي الي زيادة قدرة الدوله علي تغطية مصروفاتها المتزايدة والمرتبطة بتحقيق اهداف العدالة الاجتماعية المنشودة. زيادة ايرادات الدولة والقدرة علي تغطية المصروفات لا تغني عن ضرورة اعداد الموازنة العامة للدولة علي اساس استخدام اسلوب موازنة البرامج والاداء التي تقوم علي تحديد برامج وانشطة محدده تقوم بها الوحدة التنظيمية مع تخصيص الاموال اللازمة لهذه البرامج علي ان يتم استخدام مجموعة متكاملة من المقاييس التي تساعد علي قياس وتقييم الاداء وبيان ما تحقق من اهداف. قضية جذب وتشجيع الاستثمارات المحلية والاجنبية تحتاج الي نقاش طويل...ولكن في هذا المجال نريد التأكيد علي ضرورة وجود قانون واضح محدد للاستثمار ذي لائحة تنفيذية تضع النقاط علي الحروف وتحقق تبسيط الاجراءات والتطبيق الفعلي لسياسة الشباك الواحد وخفض عدد الموافقات والتدخلات الحكومية ووجود سياسات حكومية واضحة تجاه التعامل مع اراضي المشروعات والضرائب وتحويل الارباح وتوافر الكهرباء والطاقة وتنظيم حقوق وواجبات العمالة المحلية والاجنبية... مع الاقتناع بأن حل مشكلات الاستثمار المحلي سوف تكون الباب الكبير لدخول الاستثمارات الاجنبية علي مختلف المستويات، فمعظم التقارير الدولية تشير الي ان اموالا دولية كثيرة مازالت تبحث عن افضل فرص الاستثمار وجود اقتصاد مصري متنوع وتبني سياسات تشجع علي زيادة الاستثمارات سوف يساعد علي دعم الصادرات المصرية من السلع والخدمات مما يؤدي الي زيادة الحصيلة من العملات الحرة وهنا نريد التأكيد علي اهمية وجود خطط تسويقية متكاملة تساعد علي تحديد نوع المنتج المطلوب تصديره ولأي الاسواق وتحديد اسعار البيع وقنوات التوزيع مع التخطيط الواعي لحملات الترويج والاعلان. ونأتي الي قضية الادارة الواعية لتحويلات العاملين المصريين في الخارج والتي تحتاج الي تغيير جذري في المفاهيم والسياسات والاجراءات...فمن غير المعقول ان تنخفض هذه التحويلات هذا العام مع وجود ما يقرب من 9 ملايين مصري يعملون في مختلف دول العالم وهنا تجدر الاشارة الي اهمية النظر بشكل متكامل الي هذه التحويلات ليس فقط كأرقام نقدية ولكن دورها كمساهمات في المشروعات العملاقة الاقتصادية الجديدة وكذلك تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة بحيث نفتح رافداً جديداً لتدفق العملات الاجنبية. وتظل قضية السياحة المصرية لغزاً يبحث عن حل منذ اكثر من عشرين عاماً...فعلي الرغم من كافة الامكانيات السياحية والطبيعية التي تتمتع بها مصر والتي تبهر الجميع الا اننا مازلنا نفتقد الي فن ادارة الخدمة السياحية وله ما له من اساليب وطرق ومداخل...وعلي الرغم من الظروف غير الطبيعية التي تصاحب حادثة الطائرة الروسية الاخيرة الا اننا مازلنا امام كنز لم يفتح بعد اسمه السياحه المصريه بشرط ان نجتهد في الحصول علي مفتاح هذا الكنز وهذا يتطلب تضافر قوي المجتمع جميعها من اجل تسويق مصر سياحياً بصورة جديدة غير تقليدية تعتمد علي الابداع والافكار الجديدة والتي نراها في دول اقل من مصر بكثير يوماً بعد يوم. المقصود من الافكار السابقة هو التأكيد ان القصة ليست سعر صرف الدولار وليست في مسئولية البنك المركزي ولكنها تتسع لتشمل عملية اعادة هيكلة مقومات الاقتصاد المصري والذي اذا تمت بوعي وفهم وادارة رشيدة سوف تؤدي تلقائياً الي زيادة التدفقات النقدية من العملات الحرة وعلي رأسها الدولار واليورو.