ليست صدفة أن تقع هجمات ارهابية متتالية، فبعد ساعات من تفجيرات لبنان الانتحارية جاءت الليلة الدامية التي عاشتها باريس ضمن سلسلة هجمات متفرقة قتلت حتي الآن ما يقرب من 153 شخصا ومازال الرقم قابلا للزيادة نتيجة الكثير من الاصابات الخطيرة. وتعيد هذه الحوادث المتتابعة إلي الأذهان نظرية الذئاب المنفردة والخلايا النائمة التي ظل الغرب يتبناها في حديثه قديما عن خطر تنظيم القاعدة وامكانية تنفيذها لهجمات انتقامية داخل امريكا واوروبا عبر افراد لا تربطهم علاقة به ويعملون بصورة فردية مما يصعب تعقبهم والامساك بهم. وأصبحت الاستراتيجية القديمة هي المنهج الدائم الذي تسير عليه الجهات الامنية في تحليلها للهجمات الارهابية التي تهدد الغرب مع انتقال دور الفاعل من القاعدة إلي داعش التي تبنت نفس السياسة في اطار عملياتها الخارجية التي اطلقتها هذا العام خارج حدود العراقوسوريا لضرب اهداف في السعودية والكويت وتونس ومصر ولبنانوفرنسا. وتأتي خطورة الذئاب المنفردة لأنها تعتمد علي البحث عن فاعل داخل منطقة مظلمة لا يوجد بها معلومات مسبقة عنه ولا سجل ارهابي فهو مواطن عادي يعيش حياته بصورة طبيعية داخل اي دولة. كما انه هو صاحب اليد العليا في التخطيط والتمويل وكيفية التنفيذ والسلاح المستخدم وفقا لما هو متاح له في المكان الذي يعيش فيه.وقد تعددت الحوادث التي يمكن أن تندرج تحت هذا المضمون، ومن أبرزها قيام الرائد والطبيب النفساني في الجيش الأمريكي نضال حسن في نوفمبر عام 2009 بفتح النار علي زملائه في قاعدة فورت هود العسكرية بولاية تكساس حيث قتل 13 شخصاً وأصاب العشرات. وفي مايو عام 2010 قام فيصل شاه زاد بمحاولة فاشلة لتفجير سيارة مفخخة في ساحة «تايمز سكوير» في مدينة نيويورك. وفي صيف 2010 قدمت مجلة إنسباير الإلكترونية الصادرة باللغة الإنجليزية عن «تنظيم القاعدة» في اليمن وصفة إرهابية بعنوان: «كيف تصنع قنبلة في مطبخ أمك؟»، داعيةً المتعاطفين معها في الدول الغربية إلي القيام بعمليات إرهابية فردية هناك، تشبه نضال حسن وفيصل شاه، ونشرت المجلة في العدد ذاته مقالة لأنور العولقي حرض من خلالها المسلمين في الولاياتالمتحدة وأوروبا علي القيام بعمليات إرهابية في أوطانهم .وفي اشارة الي تدخل الدول الاوروبية في مشكلات منطقة الشرق الاوسط ورد فعل الارهابيين الذين قاموا بتفجيرات باريس امس الاول يؤكد الكاتب ريتشارد سبينسر في تحليل اخباري نشرته صحيفة التليفجراف البريطانية ان اشتراك امريكا وبريطانيا وفرنسا وحلفائهم في الحرب علي داعش في سورياوالعراق ادخل تلك الحرب مرحلة جديدة في ظل اصرار تلك الدول علي القضاء علي سيطرة داعش علي مساحات واسعة من اراضي سورياوالعراق تضم ملايين البشر، الي جانب استهداف «الخليفة» ابوبكر البغدادي وابرز قيادات داعش واخرهم مقتل الجهادي جون الذي اشتهر بتنفيذ عمليات الذبح في الفيديوهات المصورة لداعش. ويشير التقرير الي ان الارهابيين هزموا من قبل في العراق حينما احتلت القوات الامريكيةوالعراقية الفلوجة واستطاعت اغتيال زعيم تنظيم الدولة الاسلامية في العراق ابومصعب الزرقاوي وهو ما يوضح ان هذا التنظيم يستطيع العودة من الموت خاصة بعدما ظهر في هجمات باريس ان مقاتليه قد اعدوا جيدا لتلك العمليات.وعلي الرغم من تكبد داعش خسائر علي الارض في سورياوالعراق الا انها ليست بالحجم الذي يمكن القول بانه سينهي الحرب قريبا، ولكنه يدفع للتساؤل ماذا لو فشلت الميليشيات الكردية والشيعية في هزيمة داعش «علي الرغم من تحرير مدينة سنجار اول امس» بالاضافة الي التساؤل حول ماذا اذا كانت داعش ستنتهي بوفاة البغدادي او بهزيمتها في سورياوالعراق ام ستغير طريقة عملها كما فعلت طالبان من قبل حينما اضطرت للخروج من افغانستان. ويؤكد ريتشارد سيبنسر في تحليله ان هناك حاليا قطاعا كبيرا من المتطوعين المقيمين في الغرب الذين تلقوا تدريبات مع الجماعات الإرهابية ومستعدون ليكونوا في الصفوف الاولي ل «الجهاد» ضد الغرب علي اراضيه، وهو ما اكده هجوم باريس الذي ظهر منفذوه مدربين جيدا ومعتادين علي استخدام الاسلحة ولديهم مهارات في ساحات المعارك، ويختتم الكاتب بالتأكيد علي وجود العديد من هؤلاء ضمن مواطني فرنسا وبلجيكا وبريطانيا والعديد من الدول الاوروبية.