يا بنت الإيه يا مصر !!.. كل ده يطلع منك؟!!.. كيف ضحكتِ علينا وخدعتنا طوال هذه السنوات السود العجاف ؟!!.. ولماذا سكتِ عنا ونحن نسيء بك الظن ونتطاول عليك بل ونلعنك احيانا من فرط اليأس والقنوط؟!!..لقد وصل بنا الجحود ونكران الجميل حد اتهامك بالعٌقم وأنت أم الدنيا الولادة لأجيال وراء أجيال!!.. كما بلغ بنا الجهل والغفلة أن ذهبنا الي أن شعبك رضي بالذل والاستكانة ولن يثور او تقوم له قائمة.. في أي جزء طاهر من رحمك المقدس كنتِ تخبئين هذا الجيل الرائع من شبابك.. وأيضا هذا الجيش المتحضر الناضج المؤمن برسالته السامية في الحفاظ علي أمن الوطن والانحياز للشعب في كل الظروف.. هل كنتِ تخشين عليهم من الحسد؟!! .. لو كان ذلك كذلك لما جرؤ احد علي لومك لأن شبابك وجيشك يُخشي عليهم من الحسد فعلا.. نعم.. لقد فاجأ الجيل الجديد من أبنائك كل المصريين وكل العالم وظهر عملاقا كما العنقاء من بين الرماد بعد ثلاثين عاما من حكم الطواريء الاستبدادي البغيض، ليقود ثورة هي الانبل والاجمل والاكثر نقاء" وتحضرا" في التاريخ بشهادة الاعداء قبل الاصدقاء.. لقد اثبت أبناؤك الصغار في السن الكبار في الوعي والوطنية والانتماء أنك فعلا أم الدنيا ومهد الحضارة وحاضنة الرسالات وفجر الضمير.. خرجوا بالملايين الي ميدان التحرير (الذي صار اسما علي مسمي ويجب الا نفكر في تغيير هذا الاسم الذي يعني التحرر والانعتاق من قيود الديكتاتورية والاستبداد والاحتلال الخارجي والداخلي مع اقامة نصب تذكاري لشهداء الثورة الابرار في قلب الميدان).. والي كل الميادين والشوارع في مختلف انحاء مصر من اقصاها الي اقصاها ليقولوا كفي ذلا" واستعبادا".. ولا للتمديد أو التوريث ويطالبون بالتغيير والحرية والعدالة الاجتماعية ..وكذلك اسقاط النظام الفاسد وليس الرئيس فقط..إنها مطالب ثورة شباب 25 يناير ذلك اليوم الذي كان عيدا واحدا فصار عيدين عظيمين..وكان الشباب أكثر وعيا ونضجا من كل الذين تحفظوا بغباء علي اختيار عيد الشرطة العظيم للثورة والتمرد..فقد اراد شباب مصر تذكير الجميع بأن الشرطة المصرية الوطنية التي قاومت الاحتلال واستشهد ابناؤها دفاعا عن أرض الوطن لا يمكن أن تكون سندا للطغاة وآداة لقمع وتعذيب وقهر الشعب لحساب لصوص الاوطان وسارقي ثرواتها.. وهنا أود أن اشير الي أن جهاز الشرطة ليس كله حبيب العادلي وأمن الدولة وشياطين المباحث.. ولكن هناك الكثير من ابناء الشرطة الشرفاء الذين يجب أن نعتمد عليهم في إعادة هيكلة جهاز الامن في مصر وبنائه من جديد علي قيم احترام المواطن وحقوق الانسان تطبيقا لشعار "الشرطة في خدمة الشعب".. وأعتقد أن الجميع يدرك الان عمق الشعور بالخزي والعار الذي سببه القادة الكبار الفاسدون المتورطون في الرشوة والتربح وسرقة المليارات لكل أبناء الشرطة ، حتي الشرفاء منهم، عندما أجبروهم علي مواجهة المظاهرات المسالمة بالرصاص الحي حتي انهزموا أمام جحافل الثوار، م عندما أمروهم بالانسحاب المفاجيء من الشوارع متخلين عن واجبهم في حماية الشعب من جرائم الامن العام بما ينطوي عليه ذلك من خيانة الامانة والوطن.. بل ان بعض عناصر الامن المريضة المصابة بالسادية من طول ممارستها لسياسة القمع والتعذيب واحتقار الشعب وإذلاله عمدت الي فتح ابواب السجون للمجرمين والمسجلين خطر، وأشرفوا علي تنظيم عصابات النهب والسلب وترويع المدنيين الآمنين في بيوتهم في محاولة خسيسة للوقيعة بين المتظاهرين والشعب وإقناع الناس بأن الثوار هم سبب كل ما يحدث لهم من كوارث.. وهنا تجلت آية أخري من آيات عبقرية وعظمة هذه الامة.. فقد سارع شباب مصر لتشكيل ميليشيات مدنية مسلحة بالعصي وما تيسر من الاسلحة البيضاء للدفاع عن بيوتهم وأعراضهم وممتلكاتهم وأهاليهم.. ونظموا أكمنة لتفتيش السيارات والمارة في منظومة كشفت عن الكثير من مكنون الرقي والذوق والاحساس بالمسئولية.. صحيح أنه كانت هناك بعض التجاوزات من بعض المراهقين ولكنها كانت محدودة ولم تصل الي حد تشويه هذه الصورة الحضارية الرائعة.. وفي بعض الاحياء قسًم الشبان أنفسهم ليذهب البعض الي ميدان التحرير، بؤرة الثورة ومنارتها، بينما يتولي الاخرون حماية البيوت والاعراض.. الغريب أن الحالة الامنية كانت أفضل بما لا يقاس في ظل الغياب المتعمد والمهين لجهاز الشرطة.. ألم تلاحظوا أنه لم تقع طوال مدة الثورة وايامها المباركة ابتداء من 25 يناير وحتي سقوط رأس النظام أي جريمة كبري من تلك الجرائم الدموية التي كانت تسود صفحات الحوادث في الصحف كل صباح !!.. تآلف المصريون وتعارفوا فيما بينهم وتعرف المواطنون لاول مرة علي جيران لهم ربما في نفس المبني لم يسبق لهم أن تعرفوا عليهم.. وظهرت روح جديدة غابت عن الشارع المصري منذ عقود طويلة ..فقد أخرجت الثورة أجمل وافضل ما في المصريين كما اخرج الظلم والاستبداد والطغيان أسوأ وابشع ما فيهم..اما عن تجليات ايام الثورة في ميدان التحرير فحدث ولا حرج ، خاصة فيما يخص انصهار وامتزاج المسلمين والمسيحيين حتي إنني أكاد أقطع بأن النظام القمعي البائد هو صانع وراعي ما يسمي الفتنة الطائفية وفي ذلك يطول القول والشرح.. المهم الآن أن ثورتنا العظيمة نجحت وأن مصر تحدثت عن نفسها بلسان شباب جديد لا يعرف الخوف أو الاستكانة أو الخنوع.. وارجو من شباب التحرير أن يخلوا الميدان ويعودا الي ممارسة حياتهم العادية فقد نجحت الثورة في تحقيق معظم أهدافها.. وهي الآن في يد وحراسة ورعاية جيش مصر الذي أثبت أنه ابن مخلص لها.. والمؤكد أنه لن يخذل الامة وسيكون عند حسن ظن الشعب به ويدفع بالثورة الي النهاية الطبيعية لكي يكون ما بعد 25 يناير مغايرا تماما وجذريا عما قبله فنحن في ظل شرعية جديدة هي الشرعية الثورية.. وما لم يحدث ذلك سنكون قد خنا دماء الشهداء الطاهرة التي سالت فداء للوطن من أجل أن تصنع له ميلادا جديدا ومستقبلا افضل.. وجيش مصر العظيم خير من يقدر ويحترم الشهادة والشهداء.. ولكن يبقي الحارس الحقيقي للثورة هو ذلك الجيل الجديد المسلح بالإرادة والعلم وتكنولوجيا الفضاء الاليكتروني.. فنحن الآن نملك الارادة والجسارة.. ونعرف طريق الميدان المقدس.. ميدان التحرير ولن يستطيع أحد أن يخدعنا أو يستغلنا بعد الآن.. !