علي نواصي ميدان القائد ابراهيم والمنشية والكورنيش والعصافرة تقف عربة البطاطا التي تحوي طعام المتظاهرين الأول حالياً.. تجدها مستقرة في مكانها رغم الحراك الدائر حولها.. يتصاعد منها الدخان برائحته الحلوة المميزة.. قد تزينها شعارات سياسية علقها البعض عليها ولم يمانع أصحابها.. الذين وجدوا في المتظاهرين والمعتصمين صيداً ثميناً.. فبعد الهتاف يتملكهم الجوع ويحتاج أطفالهم إلي مكافأة شهية.. فيقبلون عليها بمختلف الطوائف.. ويتحاكون حولها عن الأحداث ووقائع المظاهرات.. هذه العربة أصبحت شاهد عيان علي أحداث الاسكندرية. 81 عاماً قضاها محمد والعربة هي صديقته ومورد رزقه الوحيد.. في الصيف يخصصها لشوي الذرة والشتاء لشوي البطاطا.. فاجأته المظاهرات والاحتجاجات القوية الأسبوع الماضي فأربكته بضعة أيام ولكنه قرر العودة وعدم التخلي عن أرضه.. قال: أنا هنا منذ سنوات طويلة لم تمنعني الإزالات أو الأمطار أو غيره فهذا مورد رزقي.. في الجهة المقابلة يقف زميله سيد وزميله علي عربة أخري. يقول: عربة البطاطا أنقذتني من البطالة خلال فترة المظاهرات، وقال في الأيام العادية أعمل صباحاً في مديرية التربية والتعليم ومساءً علي العربة.. ويضيف: فهمت كثيراً مما يحدث خلال الأيام الماضية من خلال حوار المتظاهرين ورغم اختلاف آرائهم إلا أنهم يتفقون في حب البطاطا. يقبل عليهم بعض المواطنين والإعلاميين في انتظار مظاهرة ساخنة ومنهكة وأحياناً بعدها.. بجانب المكتفين بالفرجة علي الأحداث!!.. يجتمعون معاً للحصول علي البطاطا الساخنة.. يلتفون حول العربة القديمة ويبدأ الحديث.. يقول أحدهم إنه مع رحيل الرئيس يرد آخر بل يبقي قليلاً لضمان الاستقرار.. بينما يشير آخر إلي تدخل الولاياتالمتحدة السافر في رأيه وينتقد آخر التغطية الإعلامية.. وتبدأ عجلة الحوار.. أما البائع فهو يرفع غالباً شعار الحياد لضمان استمراره وسطهم بسلام. ومن رسالة دكتوراه طبية ترجع إلي التسعينيات اشتراها من بائعي الكتب القديمة.. يقتطع أوراقها العلمية ليلف بها البطاطا المشوية ويقول إنه لا يعرف ما بها أو أهميتها.. وليس له علاقة بالمظاهرات.. هو هنا لأجل لقمة العيش فقط.. ويسقط كل شيء آخر من الحسابات!