ليس الطبيب هو الذي يشفي وإنما الله يشفي بيد الطبيب فإذا تقربنا إلي الله بما يحب وسألناه ما نحب.. شفا مريضنا وعافي أبداننا يعتقد كثيرون أن باب الطبيب والمستشفي والدواء هو المدخل الوحيد للشفاء من الأمراض وهذا الاعتقاد له أصل اختبروه ونفع معهم فلم يبحثوا عن باب للشفاء في غيره فاستمروا يقفون أمام هذا الباب يطرقون عليه بكلتا يديهم لكي ينفتح لهم. والحقيقة ان هناك أسبابا وأبوابا أخري للشفاء من الأمراض متروكة ومهجورة لا يكاد يتذكرها أحد قد تكون أهم وأبلغ من الطبيب ومنها باب الصدقة. والنبي صلي الله عليه وسلم يعطينا الوصفة التي لا تخيب «داووا مرضاكم بالصدقة».. والحقيقة الغريبة أن الواحد منا قد ينفق علي زيارة الطبيب فقط مئات الجنيهات في كل زيارة ولا يبخل علي شراء الدواء الذي يصفه هذا الطبيب ولو جاء به من الخارج وأنفق عليه مئات أخري. أما إذا اقتضي الأمر الدخول إلي المستشفي أو إجراء جراحة تتكلف آلاف الجنيهات فأنا جاهز لآخر جنيه في جيبي، ولو بعت أثاث بيتي لتوفير نفقة علاج إنسان عزيز وقريب من قلبي. يحدث هذا فعلا وانظر حولك وستجد صورا عديدة تروي وتؤكد ما أقول.. ولكن ما بالنا نتقاعس ونتخاذل إذا قيل لك ادفع من أموالك صدقات لشفاء الأعزاء من حولك! لماذا هذا البخل والشح في باب الصدقات الذي يقابله إنفاق وسخاء في باب الطبيب.. وإذا كشفنا الأمر بحديث الصادق الذي لا ينطق عن الهوي «داووا مرضاكم بالصدقة» تجد المتمنعين يتقدمون بحذر وكأنهم ينفقون من أنفاسهم مخافة أن تنقطع.. هل نشك في حديث النبي صلي الله عليه وسلم وهو الطبيب الأول والأصدق والأنفع الذي قال الله فيه «وإن تطيعوه تهتدوا».. المهم ان الأمر علي هذا النحو فيه ابتكار هو الذي دفعني لكتابة المقال في هذا الاتجاه لأن لي صديقا مرضت ابنته وبقيت تحت العلاج من مرض مزمن وراح هو يفكر ماذا يقدم لها.. واهتدي لفكرة رائعة نفذها في حر النار الذي عاشت فيه مصر طوال الأسابيع الماضية وهي صدقة «سقيا الماء».. فاتفق مع بقال بجوار منزله علي تبريد عدة صناديق من زجاجات المياه يأخذها بسيارته ظهر كل يوم عندما تصبح الشمس في كبد السماء وتصبح شربة الماء البارد أمنية عزيزة غالية، عندئذ يظهر هو في تجمعاتهم وينزل من سيارته يوزع عليهم بابتسامة صدق وهو يقول: «ماء لوجه الله».. تحسبا من أن يظن بعضهم أنه يبيع الماء البارد استثماراً لحر الشمس ورطوبة الجو مثلما يفعل الباعة في مفارق الطرق السريعة. يقدمها لهم بسرعة وعلي وجهه رضا وسعادة.. ولا يعنيه إذا كان من يأخذ منه غنياً أو فقيراً.. مسلماً أو مسيحياً.. وإنما هي عنده نفس إنسانية تستحق حق الأخوة. وينتهي الصديق علي أبوالخير من توزيع أربع أو خمس كراتين من المياه الباردة في نصف ساعة ليشرب الناس ويرفع هو كفيه إلي السماء ويدعو مخلصا لابنته وبنات أحبابه وأصدقائه بالشفاء التام وهو علي ثقة بأن الله يقبل من العمل ما كان خالصا لوجهه الكريم. فما بالك وهو ينفذ وصية الرسول بالتصدق من ناحية وبأنه اختار «سقيا الماء» في التقرب لله الأعظم.. ويضحك علي أبوالخير وهو يقول: إذا كان الله قد غفر لبغي من بنات بني إسرائيل سقت كلبا أوشك علي الهلاك من العطش فشكر الله لها فغفر لها.. فكيف بمسلم يتصدق ليسقي بني الإنسان. أفلا يستجيب الله له؟. والإجابة: بل يستجيب بإذن الله.. لقد قصدت من هذه الواقعة التي تأثرت بها أن ألفت الانتباه لقيمة الأعمال الغيبية في قضاء الحاجات ومنها الدعاء والاستغفار وقراءة القرآن بجانب الصدقات. فالشافي هو الله.. وإذا تقربنا إلي الله بما يحب وسألناه ما نحب.. أعطانا وأجزل لنا في العطاء. فائدة: نصيحتي لا تدخل إلي الصدقة من باب التجربة.. وإنما من باب اليقين!