كان الله في عون شعب مصر العظيم.. كم تحمل هذا الشعب طوال تاريخه.. كم عاني وقاسي.. ثم جاءت المعاناة الكبري التي استمرت اسبوعا كان في الحقيقة اسبوعا اسود.. لا ملامح له.. ولا مستقبل يمكننا أن نستكشفه من خلال الضباب الكثيف المنتشر في كل مكان. النقطة الوحيدة البيضاء في هذا الاسبوع هم هؤلاء الشباب الذين قادوا حركة التغيير وسجلوا صفحة جديدة من تاريخ مصر.. كان الشعب ينتظرها.. ويتوقعها.. لكنه لم يكن يعلم موعدها. هؤلاء الشباب الذي كنا نظلمه ونستهين به.. ونعتبره أي كلام.. أو عبئا علي هذا البلد. كانوا يطلقون عليه الشباب »السيس«. يعني الفاضي اللي مالوش لازمة. هذا الشباب ظهر علينا بوجه جديد، تحول هذا الشباب من شباب سيس إلي شباب مسيس يفهم ما يحتاج إليه شعب مصر. رفع الشباب مطالبه العادلة المشروعة التي تتعلق باستمرار النظام الحالي ورئيسه وابنه وحاشيته وأسلوب إدارته وكل الآثار السلبية التي ترتبت علي كل هذا. لهذا فمصر تدين لهؤلاء الشباب بجميل كبير جدا.. حتي لو كانت نتيجة هذه الوقفة الإطاحة بأمين تنظيم الحزب الوطني الذي لا نعلم ان كان مازال محتفظا باسمه فإن هذا يكفي. لكن آمال الشباب.. ومن ثم آمال مصر.. قد تحققت جميعها تقريبا. وخرج علينا الرئيس مبارك بالعديد من الإصلاحات التي كنا ننادي بها مع الشباب ونتمني لو كانت قد تحققت منذ اسابيع أو شهور حتي تنجو مصر وينجو شعبها من هذا الاسبوع الأسود. أقال الرئيس حكومة رجال الأعمال.. وعين نائبا لرئيس الجمهورية وطلب تعديل الدستور.. قرر إلغاء مبدأ سيد قراره الذي اخترعه رؤساء مجلس الشعب وتطبيق حكم القضاء في طعون صحة الانتخابات البرلمانية الماضية.. قرر احالة المتسببين عن كارثة الأسبوع الأسود إلي محاكمة عاجلة وقد تشمل القائمة أسماء كثيرة ساهمت في الإدارة غير الحكيمة للانتخابات والإدارة غير المسئولة للشرطة في مواجهة الانفلات الأمني والإدارة غير الرشيدة لقرارات اقتصادية عديدة تم اتخاذها في السنوات النظيفة. تحققت كل مطالب الشباب.. وأكثر.. تحققت كل آمال الأمة وأكثر.. أما الذي كان يطالب بأكثر من ذلك فقد كان يطالب به لأغراض شخصية لا تخدم الأمة.. وكان يطالب به تنفيذا لأجندة أجنبية لا تريد الخير لمصر.. وكان يطالب به تنفيذا لتوجيهات جماعة تريد فرض أسلوبها علي مجتمع متنور متحضر يؤمن بالمواطنة والدولة المدنية المتحضرة. لذلك فإنني أرفع صوتي مع هؤلاء الشباب الذين حققوا لمصر وشعبها أهم مكتسباته في خمسين عاما وأكثر. أرفع صوتي مع الشباب الذين رفضوا ان يركبهم ويركب موجتهم رؤساء أحزاب لا يعرفها أحد ولم يستطيعوا أن يحركوا نملة في الشارع.. أو أناسا ظنوا أنهم رموز للمعارضة في المجتمع وكانت كل أصواتهم بلا هدف.. أو ضيوف جاءوا من الخارج.. أولها الدكتور محمد البرادعي الذي جاء ليلة المظاهرة بدعم لا نعلم من أين.. ليجلس في حديقة منزله ليطالب بقوة لا نعلم من أين.. برحيل الرئيس مبارك.. فقال له الشعب.. وقال له الشباب الذين انغمس في وسطهم وحاول قيادتهم.. ارحل انت.. فنحن هنا باقون.. نحن مع الاستقرار وضد الفراغ الأمني والدستوري.. نحن مع الأمان وضد التخريب. ابدأوا عصراً جديداً أنتم صانعوه وارسموا مصراً جديدة أنتم حماتها.