لا أعرف مريم نعوم معرفة شخصية، ولم ألتق بها من قبل، لكني تابعت لها ثلاثة مسلسلات وأعجبت بها فرأيت أن أحييها علي هذا الإبداع الجميل. أول مسلسل شاهدته لها هو « ذات «، وهو مأخوذ عن رواية قصيرة للكاتب صنع الله إبراهيم. ومن يقرأ الرواية يعرف مدي ما أضافته مريم من أحداث وشخصيات، لكن ليس هذا مربط الفرس، بل مربط الفرس يكمن في قدرة هذه المبدعة الشابة علي تقديم سيرة لشخصية عادية. السيرة في الأصل فن عربي إسلامي، يقدم لنا شخصيات عظيمة وبطولية، مثل ذات الهمة، وعنترة، والهلالي، لكن مريم غيرت طبيعة بطل السيرة وجعلته إنساناً عادياً، وقدمت لنا امرأة مصرية معاصرة، تحمل اسم بطلة السيرة الشعبية الشهيرة « ذات الهمة «، لتقول لنا إن البطولة ليست مقصورة علي الأبطال التاريخيين والأسطوريين، بل إن الإنسان العادي في زماننا هذا هو بطل حقيقي لايقل عن أبطال السير المعروفين. والسيرة عادة لاتقف عند جيل واحد بل تقدم عدة أجيال، وتستغرق زمناً أطول من الدراما المعروفة، وتقدم عدداً كبيراً من الشخصيات، وهذه كلها تحديات فنية تواجه الكاتب الذي يتعرض لكتابة سيرة، لذلك يحسب لمريم نعوم قدرتها علي تقديم سيرة، رغم ما في الأمر من صعوبات. وقد أجادت مريم رسم الشخصية المحورية لمسلسلها، حتي بدت لنا كأنها شخصية حقيقية من لحم ودم، ورأي جيل كامل من النساء أن هذه المرأة تمثلهن تمثيلاً حقيقياً. ورأي المشاهدون في حياتها تأريخاً اجتماعياً للوطن. المسلسل الثاني الذي شاهدته لمريم نعوم هو «سجن النسا» المأخوذ عن مسرحية بهذا الاسم للأخت العزيزة فتحية العسال رحمة الله عليها. وقد قدمت مريم من خلال سجن النسا صورة بانورامية للمجتمع المصري، فلدينا كل أنواع النساء، من كل طبقات المجتمع : العاهرة والقوادة والشغالة وبائعة المخدرات وسيدة المجتمع وغيرهن. وبينت لنا أن النساء اللاتي تحكم عليهن المحاكم بالإدانة قد يكن صاحبات قيم أفضل من بعض الموجودات خارج السجن. كما أكدت علي عنصر الظروف القاهرة التي تحول المرأة العادية لمجرمة غصباً عنها. ولم تقدم لنا نماذج نسائية لافتة للنظر فقط بل قدمت لنا أيضاً نماذج من الرجال المنحطين : الشاب الذي تزوج البطلة وخدعها بمنتهي الخسة وتزوج من صديقتها الخائنة، وبائع المخدرات الذي دخلت زوجته السجن بدلاً منه فتزوج غيرها دون تقدير لقيمة الوفاء. لكني آخذ عليها رغم تقديري لفنها أنها جعلت كل صاحب حق يأخذ حقه بيده، وهذا أراه أمراً خطيراً مهما بررناه درامياً. المسلسل الثالث هو « تحت السيطرة » الذي عُرض في رمضان، ويعالج قضية الإدمان. ومع أني ضد مسلسلات المخدرات التي تقدم في الفترة الأخيرة إلا أن هذا المسلسل يختلف عنها، إذ يجعلك تكره الإدمان الذي يحول الإنسان إلي حيوان، ويفقده العقل والتمييز، وقد يحوله إلي سارق، ويحول البنت إلي عاهرة في سبيل الحصول علي الجرعة. إنه مسلسل صادم لكنه جاد ويستحق المشاهدة. والمسلسلات الثلاثة فيها سمات مشتركة، أولاها أن مريم تفضل أن تعتمد علي نص أدبي بدلاً من أن تؤلف لنفسها، وحتي حين كتبت لنفسها كان المخرج شريكاً لها في القصة. وهذا لايعيبها، فقد كان المرحوم محسن زايد وهو من الكتاب العمالقة يستحسن أن يعتمد علي نص أدبي. وثانية السمات الفنية لمريم نعوم هي التزامها بقضايا مجتمعها، وهذا أمر نفتقده في أعمال كثيرة تذاع في الفترة الأخيرة. أما السمة الثالثة في كتابات مريم نعوم فهي الحوار الراقي، فلا ابتذال ولاشتائم ولا استخدام هابطا للمفردات والجمل. ومن حسن حظ مريم ارتباطها بمجموعة فنية متفاهمة، علي رأسها الفنانة المبدعة نيللي كريم، ومن أهم عناصرها الشركة المنتجة المؤمنة بموهبتهما. تحية لهذه الكاتبة المبدعة وفي انتظار ابداعها القادم.