تم رفع سعر الدولار في السوق الرسمي بمقدار 20 قرشا. بدون الدخول في تفاصيل كثيرة فإن الزيادة هي جزء من سياسة اقتصادية يجري العمل علي أساسها بهدف زيادة الاحتياطي من النقد الأجنبي، والحد من الاستيراد، ومواجهة العجز الكبير في الميزانية. الأهداف لا يختلف عليها أحد، ولكن هناك رؤي عديدة في كيفية تحقيقها، وبعضها يعارض هذه السياسات أو يختلف مع بعض الإجراءات. وما نناقشه اليوم هو: من سيدفع فواتير رفع سعر الدولار؟.. الدكتور هشام رامز محافظ البنك المركزي يقول انه من المفترض ألا يؤدي ذلك إلي رفع الأسعار في الأسواق. ويدلل علي ذلك بأن الدول التي نستورد منها معظم احتياجاتنا الأساسية قد انخفضت أسعار عملاتها بأضعاف ما حدث عندنا. وهذا صحيح ولكن هل تأثرت الأسعار عندنا؟ العملة الورقية "اليورو" انخفضت في العام الماضي بنسبة كبيرة، وفي نفس الوقت زالت الجمارك التي كانت علي بعض السلع المستوردة من أوروبا مثل السيارات بحكم الاتفاقيات مع أوروبا.. ومع ذلك زادت أسعار السيارات!! وانخفضت أسعار العملة في البرازيل كما يقول محافظ البنك المركزي بنسبة 14٪ في العام الماضي، ومع ذلك زادت أسعار اللحوم التي يتم استيرادها من هناك!!.. وهكذا الأمر في باقي السلع. الزيادة الجديدة عندنا في سعر الدولار لا تتجاوز 3٪، فهل ستقف أسعار السلع المستوردة عند هذ الحد؟ ومستلزمات الانتاج المستوردة للصناعة المصرية لا تزيد علي 50٪ أي أن ما تتحمله تكلفة المنتج النهائي لا تزيد علي 1.5٪ كما يقول رئيس اتحاد الصناعات.. فهل ستكون هذه هي الزيادة التي تحدث في أسعار المنتجات؟.. بالطبع "لا"!! والأهم أن الأمر لن يتوقف عند هذه السلع، بل الخشية ان تمتد الزيادات -كما تعودنا سابقا- إلي باقي السلع، وبنسب لا تخضع إلا لمزاج المستوردين وجشع بعض المنتجين، وقصور أدوات الرقابة، والخوف من التدخل الرسمي في الأسواق لحماية المستهلكين!! والمشكلة الأساسية هنا هي أننا لم نحسم بعد أهم أمور حياتنا بينما نحن في حالة حرب تقتضي الكثير من الإجراءات، وفي مرحلة بناء لن تنجح إلا إذا اعتمدنا علي أنفسنا وحشدنا كل جهودنا، وفي حالة مراجعة تقتضي سياسات اجتماعية واقتصادية تنحاز بحسم لمصلحة الغالبية العظمي من المواطنين وتوزع أعباء التنمية الضرورية بالعدل وتستعيد الحقوق التي مازالت مهدرة عند الفاسدين الذين يتوهمون أنهم قادرون علي مواصلة فسادهم. لقد قامت الدولة بجهود معقولة في مجال توفير السلع الغذائية الأساسية عن طريق الجمعيات الاستهلاكية بأسعار مناسبة. لكن الأمر أكبر من ذلك بكثير. المطلوب أن يفهم الجميع أن علينا أن نقيم "اقتصاد حرب" حقيقيا، وان تكون هناك سياسة تقشف لا تبدد القليل الذي نملكه في استيراد سلع ترفيهية أو سلوك استفزازي. والمفروض ان نعيد ترتيب الأولويات وان نوجه الجهد الأساسي للتنمية الصناعية والزراعية. والمطلوب أن تكون الحماية للصناعة الوطنية مقرونة بتحديد صارم لهامش الربح حتي لا يتكرر الفساد الذي عاش سنوات حين كانت الدولة تقدم للحيتان المحلية والأجنبية الأرض والوقود والكهرباء بأسعار مدعومة لتبيع انتاجها من الأسمنت والحديد والسماد بأكثر من الأسعار العالمية!! المطلوب ان نبني "اقتصاد حرب" ليكون دعامتنا في حربنا ضد الإرهاب، وفي بناء المستقبل.. حتي لو اشتكي البعض من أن "السيمون فيميه" ناقص في السوق!! وحتي لا يحتفظ الحيتان بمكاسبهم، بينما يترجم ارتفاع سعر الدولار إلي زيادة في ساندوتش الفول!!