ماذا أقول عن امتحانات الثانوية العامة.. وأي قول يقال لوزارة تجردت من كل معاني اسمها.. فلم تعد «تربية» وهي تحض علي الغش.. ولم تعد تعليما فالمدارس خاوية.. لم أكن أتخيل ان يمر لقاء الرئيس عبدالفتاح السيسي بوزير التربية والتعليم منذ يومين دون التطرق لمذبحة الثانوية العامة هذا العام.. ولم أصدق أن اللقاء كان لمجرد ان يعرض الوزير علي الرئيس خطة بناء 100 مدرسة، وصيانة المدارس، ولائحة الانضباط المدرسي، وتنقية المناهج من العنف.. وان الرئيس طالب بتدشين حملة قومية لرفع كفاءة المدارس وتجديدها، وتطوير المناهج، واتباع أساليب متطورة لمكافحة ظاهرة الغش في الامتحانات.. كنت أتصور ان هذا اللقاء تم بناء علي استدعاء من الرئيس السيسي لوزير التعليم للوقوف علي حقيقة الأزمة.. باعتبار الرئيس مسئولا وأبا لنصف مليون طالب وراءهم نصف مليون أسرة، أنفقت كل ما لديها من أموال، سواء كانت تملكها أم انها استدانت لحين انتهاء الامتحانات!!. أتخيل ان الرئيس يطلب تفسيرا منطقيا من الوزير عن صعوبة الامتحانات واستعراض عضالات الممتحن علي الطالب، وعن الغش الممنهج، الذي يهدر مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص، ويهدر الهدف من الامتحان أصلا.. ولكنني عجزت عن توقع إجابة الوزير الهمام.. وإن كنت أتوقع مزيدا من اللامبالاة والتبريرات التي لاتنتهي من وزارة لا تخطأ أبدا!.. وزارة كل همها تتبع أوراق الامتحان المسربة. وايجاد اسباب ملفقة للتسريب اليومي، والذي يتم بنفس السيناريو، وتعترف الوزارة انه تم من داخل إحدي اللجان ويمر الامر دون محاسبة الوزير.. والذي ظهر هو ووزارته متآمرون علي الطلاب الصائمين محطمين كل آمالهم بامتحانات تعجيزية، ثم إعلان نتائج عينات عشوائية للاجابات لايقتنع بها أي طفل صغير.. إذا كنا في مصر، فكيف تكون نتيجة عينة اللغة الانجليزية والفرنسية أعلي من نتيجة اللغة العربية.. طبعا طلبة أجانب.. واستمرارا لهذا المخطط الذي وضع للسماح ل 25 ٪ فقط من الناجحين بالالتحاق بالجامعات.. وباقي الطلبة وأهاليهم فليذهبوا للجحيم.. ظهور وزير التعليم العالي في مؤتمر صحفي في عز امتحانات الثانوية العامة وفي مقر إحدي الجامعات الخاصة ليعلن انه تم الاتفاق علي رفع الحد الأدني لكليات القمة الخاصة بواقع 5٪ عن العام السابق، وخفض الحد الأدني للكليات النظرية.. سابقا كل مؤشرات النتيجة هذا العام. امتحان الثانوية العامة كشف وفضح فشل العملية التعليمية في بلدنا.. التي نريد أن تحبنا كما نحبها.. فالامتحان مثالي لطالب مثالي ومدرس مثالي ومنهج مثالي ومدرسة مثالية.. كل هذه المثالية أصبحت غير موجودة سوي في الامتحان، الذي يخاطب طالب «دليفري»، يتسول المعلومة من المدرسين في السناتر والدروس الخصوصية، لفك الشفرة بين الكتاب والامتحان.. هؤلاء الطلاب الذين يمتحنون هذا العام هم ضحية ست سنوات من اختصار المناهج وعدم انتظام العملية التعليمية، بداية من انفلونزا الخنازير مرورا بثورتين عظيمتين.. وضحية واضعي الامتحانات الذين تجردوا من كل معاني الرحمة.. لدرجة ان الامتحان صاحبه بيانات يومية من وزارة الصحة.. كأننا في حرب أو كارثة.. ففي اليوم الأول جاء بيان الصحة، إصابة 27 طالبا وحالة وفاة واحدة.. والثاني 17 حالة إصابة ولا وفيات، وفي اليوم المشهود لامتحان التفاضل والجغرافيا والاحياء نقلت سيارات الاسعاف طلابا بالمئات ما بين إغماء وتشنجات ومحاولة الانتحار، ناهيك عن يوم امتحان الفيزياء العبقري والذي شهد أيضا نقل العشرات من الطلاب بسيارات الاسعاف، وتمر هذه الاحداث ووزارة التربية والتعليم لاتعير اهتماما، فهي لاتري ولا تسمع سوي نفسها.. هذه الوزارة التي فشلت في تقديم خدمة تعليمية تمكنها من قياس قدرات الطلاب، وتقضي علي تسريب الامتحان والغش.. هذه الوزارة التي لم تكلف نفسها عناء السؤال، إذا كانت الامتحانات تسرب من داخل اللجان؟. فماذا عن الامتحان الذي تسرب في اليوم السابق له؟.. والامتحان الذي تسرب قبل بدء الامتحان بربع ساعة. سيدي الرئيس إذا كان هناك حديث دار بينكم وبين وزير التعليم في شأن الثانوية العامة، فلماذا لاتصارح به نصف مليون أسرة وهي ليست بالعدد القليل،.. فهم يستحقون المكاشفة حتي يشعر كل منهم ان له ولي أمر يحاسب المسئولين ويحمي مصالحهم ومستقبلهم، حتي يظل هذا الجيل منتميا للبلد وولاؤه الأول لها.