في هذا المقال الأخير الي القول بأن الرقابة الدستورية يمكن ان تتم من خلال عدة مناهج أو من خلال عدة مسالك. اولا، الرقابة علي دستورية القوانين بواسطة مجلس دستوري، وترجع المبادرة الاولي للرقابة السياسية علي دستورية القوانين الي الفقيه الفرنسي سييز الذي طالب بنشاة هيئة سياسية تكون مهمتها الغاء القوانين المخالفة، وغرضه في ذلك هو حماية الدستور من الاعتداءات علي احكامه من قبل السلطة التفيذية، واذا كان سييز قد فضل الرقابة السياسية علي القضائية، وذلك يعود الي اسباب تاريخية وقانونية وسياسية اثرت علي النظام السياسي الفرنسي مما حدا بالنظام العام الي الابتعاد عن انشاء هيئة تسند لها مهمة الرقابة علي دستورية القوانين. وبالرغم من كل العوامل السياسية والتاريخية الا ان فكرة سييز قد وجدت مساندة وتاييدا لها فيما بعد، بل وكتب لها النجاح اخيرا حيث نص دستور السنة الثامنة للثورة (51/21/9771) علي اسناد مهمة الرقابة الي مجلس الشيوخ كحامي للدستور علي ان تكون هذه الرقابة سابقة علي اصدار القوانين والسماح له بإلغاء القوانين المختلفة، وتجنبا لوقوع اعضائه تحت التأثير يجب اتباع طريقة معينة في اختيارهم ضمانة لاستقلالهم. ومع ذلك فان هذا المجلس تحول الي أداة في يد نابليون يسيرها كيف يشاء. ومن اسباب عجز هذه الهيئة النص في الدستور علي انها لا تراقب الا القوانين التي تحال اليه من طرف الحكومة او من هيئة التريبونات (احدي الجمعيات المنشأة بدستور السنة الثامنة والغيت سنة 1807) ولا يعقل ان تقدم هذه الهيئة القوانين التي لا تتماش وسياستها للمجلس. وظهر هذا النظام مرة اخري في دستور 41/10/2581 ووقع في نفس ما وقع فيه المجلس الاول مما أدي الي عدم التفكير فيه الي ان وضع دستور جديد تحت اسم اللجنة الدستورية، كانت مقيدة بحيث لا يحق لها البحث في دستورية القوانين الا بتوفر شروط واتباع اجراءات. اخيرا فقد اسندت مهمة الرقابة علي دستورية القوانين قبل اصدارها الي هيئة سياسية تسمي المجلس الدستوري. والجدير بالملاحظة ان مدة العضوية تسع سنوات غير قابلة للتجديد علي ان يجدد الثلث كل ثلاث سنوات، كما لا يجوز لهؤلاء الاعضاء الجمع بين العضوية في المجلس وفي البرلمان او الوزارة او المجلس الاقتصادي والاجتماعي. وتتمثل اختصاصته بالاضافة الي الاختصاصات الاخري له والممثلة في: الاشراف علي سلامة اجراء انتخابات رئيس الجمهورية والفصل في المنازعات المتعلقة بصحة انتخاب النواب والشيوخ، وعلي صحة عملية الاستفتاء. وهو له رقابة وجوبية بحيث يجب ان تعرض عليه القوانين الاساسية لتنظيم الحياة في الدولة والمجتمع قبيل اصدارها، وكذلك لوائح مجلس البرلمان قبل تطبيقها . وله رقابة جوازية بحيث يجوز له ان يعرض كل من رئيس الجمهورية والوزير الاول، (رئيس الوزراء)، ورئيس الجمعية او رئيس مجلس الشيوخ موضوعات القوانين قبل اصدارها علي المجلس الدستوري لتقرير مدي مطابقتها للدستور , و كذلك اصبح من حق 20 نائبا او شيخا في البرلمان الطعن بعدم الدستورية امام المجلس. ويخرج عند مراقبة المجلس الدستوري القوانين التي يقرها عن طريق الاستفتاء، ويترتب علي القول بعدم دستورية قوانينها استحالة اصدار هذا القانون، وقرارات المجلس في هذا الصدد ملزمة لجميع السلطات في الدولة وغير قابلة للطعن بأي وجه من الوجوه. ثانيا، الرقابة السياسية بواسطة هيئة نيابية، ان هذا النوع من الرقابة منتشر في الدول ذات الميراث الاشتراكي، والغرض منه هو ألا تعلو كلمة أي جهة علي الهيئات المنتخبة الشعبية التي تمثل الشعب في ظل نظام للحزب الواحد الحاكم في البلاد او نظم ما يشبه الحزب الواحد. ان الغرض لا يهدف مثلما هو الحال في الدول الليبرالية الي حماية حقوق الافراد من اعتداءات السلطة التشريعية او التنفيدية. هذا النمط يهدف وقبل كل شئ الي سيادة المجالس الشعبية المنتخبة وسموها علي غيرها من الهيئات الاخري مثل مجلس الوزراء. الانتقادات الموجهة لهذه الرقابة تتلخص في الرقابة السياسية علي العموم ليست أسلوبا ناجحا وفعالا، هذه النقائص: 1- إن الهيئة السياسية قد تنحاز إلي السلطة التي ساهمت في تكوينها، 2- إن هذه الرقابة تكون وسيلة رقابية فقط، أي أنها تحرك قبل إصدار القوانين، فلا يتم هذا التحرك إلا إذا كانت لهم مصلحة في ذلك، 3- عدم توافر الحياد والاستقلال الكافي من طرف هذه الهيئة لأداء وظيفتها، 4- نقص الكفاءة القانونية لأعضاء الهيئة في أداء مهمة الرقابة والتي يستحسن أن تكون ذات طابع قانوني، 5- إعطاء تفسيرات سياسية، 6- فالقوانين لا تحدد وفق مطابقتها للدستور لكن تحدد وفق الاختيارات السياسية لأعضاء الهيئة السياسية . ثالثا، ظهر أسلوب الرقابة بواسطة هيئة قضائية، بعد الانتقادات الموجهة إلي الرقابة السياسية، إلي أسلوب الرقابة القضائية مهمة ممارسة الرقابة علي دستورية القوانين، حيث توكل المهمة إلي هيئة قضائية مختصة، وفي هذا النوع من الرقابة يوجد نموذجان من الرقابة :الاول، الأمريكي الذي يُوكل هذه المهمة إلي المحاكم القضائية العادية، والنموذج الثاني الأوروبي الذي يقوم علي إحداث محكمة خاصة تدعي المحكمة الدستورية. وتقوم بها الهيئات ذات طبيعة قضائية، وهي تتحقق باحدي الطريقتين اما بطريقة الالغاء او بطريقة الامتناع. من التطبيق ظهر ان منهج المحكمة الدستورية معقد وغير واضح بشكل حاسم، ويخفي تحته منهجا للرقابة السياسية. اما النموذج الامريكي فمتطلباته الاجتماعية الاقتصادية السياسية لا يمكن ان تتوافر في مصر. فكلمة قصيرة، ان نموذج المجلس الدستوري افضل لتحقيق التدرج في المسؤلية السياسية والدستورية كمرحلة انتقالية.